كتب- صابر سعيد
بمجرد أن تطأ قدمك شارع السوق القديم بمدينة نقادة جنوب محافظة قنا سوف تشاهد عيناك تاريخ عتيق مر من هنا، لخصته جدران المنازل القديمة وأعتاب الأبواب المزخرفة بالفنون القبطية والعثمانية بدقة ومهارة عالية.
استغرق صانعيها شهور فى حفرها وزخرفتها لتظهر بالإبداع الذي بقى لمئات السنين، حيث أن هذه الأبواب لا تعد واجهة المنزل وحسب بل واجهة المدينة والشاهد علي تاريخها وتحكي خلف تلك الأبواب مئات القصص كما تحمل توثيقًا للمنزل والمدينة.
كلمات وحكم قبطية اختارها النجارين في تلك الأزمنة لتعكس مدي ديانة من كان يقوم به وتوجهه، وكذلك آيات من الإنجيل تزين أبواب وأعتاب تلك المنازل ورسومات منحوتة بمهارة فائقة لتضاهي المدن الأخري وقتها بشمال مصر، وتترك لمحافظة قنا إرثاً كبيرًا من الأبواب والشرفات المنقوشة برسومات خاصة والمتصلة بعضها ببعض.
” دار مباركة والخير شاملها، بالعز والهنا الرب يتممها، دار لها الخير تبدا والشر عنها تبعدا، يارب اكفيها شر الأعداء، سعد وعزا بها يدوم، وبركة هذا لله تدوم، جدده القص عطا الله درياس نرماله دون مال غيره في أول توت سنة 1640″ جزء من كلمات كثيرة دونت علي عتبة إحدي الأبواب الصغيرة بالمدينة تدل علي قدم سنة الكتابة والتدوين بالعربية والقبطية و ذكر صاحب العمل والعام الذي نُقشت فيه، ويذكر مؤرخي التاريخ القبطي أن أول توت تعني أول يوم في عام جديد من التقويم القبطي السابق للتقويم الهجري، ومن التقويم الفرعوني السابق للتقويم الميلادي.
قال عياد محمد، من أهالي المنطقة 60 عامًا، إن المنازل المتواجدة بشارع السوق تزيد عن مائتي عام وكذلك الأبواب القديمة ما زالت متواجدة إلي اليوم ومحتفظة بمعالمها التي تواجدت عليها منذ الإنشاء، حيث كان يستغرق عمل الباب الواحد أو البلكونة حوالى شهرين من العمل المتواصل ويقوم بها نجارين محترفين.
وتابع محمد، كان النجار يستخدم أدوات بدائية مقارنة باليوم، وهي عبارة عن شاكوش ومنشار ومسامير إن وجدت و آلة للحفر علي الخشب، وكان يمكث في منزل صاحب العمل علي نفقته إلي أن يتم الانتهاء من الباب أو البلكونة التي يعمل بها.
وأوضح بهاء بتري، أن الأبواب صممت من الداخل بطريقة تمنع عملية السرقة وتجعل من المستحيل علي السارق فتحه أو كسره أو اقتحامه.
وأضاف بتري، أن شرفات المنازل “البلكونة” صممت بطراز فريد ذا أشكال هندسية متنوعة وعلي يد فنانين ذلك العصر، أيضًا ذات صلابة جعلتها تقاوم الزمن وتستمر حتى اليوم، كاشفًا أن عددًا من الشرفات متصل ببعضه البعض، حيث يمكن لسكان منزل المرور إلي المنزل الآخر عن طريق الشرفة أو البلكونة وهو ما لم يتواجد في أماكن عديدة في الصعيد ومصر.
و أوضح محمد حسن، باحث أثري، أن نقادة مدينة فرعونية ذات حضارات ثلاث تمتاز بتراثها القديم الذي ما زال هناك شواهد تاريخية عليه مثل طواقي فرعون في جبل كوم بلال وهرم جرن الشعير وكذلك الأديرة القديمة ومن هذا التراث أبواب نقادة القديمة والأعتاب المتواجدة في شارع السوق القديم والتي تحمل نقوشًا لحكم بالقبطية وآيات من الإنجيل وكذلك القرآن.
و أشار حسن، إلى أن التجديد في المباني وإزالة المباني التاريخية والعتيقة سوف يؤدي إلي اندثار تلك التحق والإبداعات القديمة المتواجدة بالمدينة، لافتًا إلى أن توثيق تلك الأشياء ذات أهمية في الفترة الحالية.