أحمد رضوان،.. أحمد القواسمي
تمتلك محافظة قنا عددا من الاستراحات الملكية، التي تم تحويل البعض منها إلى مقرات حكومية، ومعظمها مهمل ولا يتم استغلاله، وهي تابعة لوزارة الري، ومن أهم هذه الاستراحات “استراحة الري في الخزان بنجع حمادي”
تقع هذه الاستراحة فى منطقة الخزان الواقعة بين مركزي نجع حمادي وأبوتشت، بجوار قناطر نجع حمادي، وتشرف بواجهتها الشرقية على نهر النيل.
ويقول الدكتور حسين إبراهيم عبدالعال، مفتش آثار بمنطقة آثار إدفو، إن استراحة الري بخزان نجع حمادي أنشئت عام 1924م، في عهد الملك فؤاد بن إسماعيل باشا، لتكون مكانا لإقامة المهندسين والاستشاريين المشرفين على عملية إنشاء القناطر، مضيفا أنها تابعة لإدارة ري سوهاج، ويطلق عليها حاليا استراحة وزير الري.
وأشار “إبراهيم”، إلى أن الاستراحة مبنية على الطراز الإنجليزي، وهي عبارة عن مساحة مستطيلة، تتكون من طابقين يعلوهما سطح، وتشتمل على قاعات الاستقبال وحجرات النوم والمعيشة، كما استخدم الأجر في البناء، والخشب في الأسقف، وتحتوى على شرفات خشبية في الواجهات.
وأضاف مفتش الآثار، أن الاستراحة تم بها نفي الرئيس الراحل محمد نجيب عقب عزله بعد ثورة 1952م، وقد أصبحت حاليا استراحة لوزير الري، كما كان يطلق عليها “فيلا نجيب”.
وذكر الرئيس الراحل محمد نجيب مراحل نفيه وتقييد إقامته فى مذكراته “كنت رئيسا لمصر” التي نُشرت في سبتمبر 1984 وذلك كالتالي، ففي صباح يوم 14 نوفمبر من نفس العام، خرج من منزله بحي حلمية الزيتون متوجها إلى مكتبه بقصر عابدين، ولكنه لاحظ أن حرسه الخاص من ضباط الحرس الجمهوري والبوليس الحربي يعاملونه بفتور ولا يردون التحية العسكرية كما يجب، وكان “نجيب” يستشعر أنه لن يبقي بمنصبه طويلا، وعند صوله للقصر حاصره 12 ضابطا وجنديا بأسلحة خفيفة، وأبلغه عبد الحكيم عامر بقرار إعفائه من منصبه، لتبدأ بعدها رحلة الإقامة الجبرية بحي المرج فى فيلا زينب الوكيل زوجة مصطفي النحاس أحد زعماء حزب الوفد المصري.
وبعد عامين من إقامته وأسرته في فيلا زينب الوكيل، وتزامنا مع العدوان الثلاثي على مصر عقب تأميم قناة السويس عام 1956م أبعد الرئيس محمد نجيب إلى نجع حمادي وحيدا دون أسرته، قائلا: “وبعد 48 ساعة وصلت نجع حمادي .. وصلنا عند شروق الشمس تقريبا واتجهنا لاستراحة الري.. وكانت استراحة معقولة من دورين كانت إقامتي فيها بالدور الأعلى، وكل نصف ساعة يطمئنون على وجودي رغم صعوبة الهروب من المكان، وكنت لازلت مضربا عن الطعام لإظهار سوء المعاملة”.
وبعد وصول “نجيب” لقناطر نجع حمادي استمر في إضرابه عن الطعام، الذي أنهاه بعد ذلك بكوب من عصير الليمون، ـ حسب ما جاء بمذكراته، حيث قال: “بعد 48 ساعة قضيتها فى هذه الاستراحة فوجئت بحضور ضابطين من البوليس الحربي هما جمال القاضي ومحمد عبد الرحمن نصير، جاءا لينقلاني لمكان آخر، لم أعرف إلى أين ولم يقولا لي، وعندما سألتهما كان الرد بشعا اعتذر عن ذكره، فإذا بضابط منهما يدفع يده فى صدري ويلكزني فيه، ودارت بي الدنيا، وهانت على الحياة، وهممت بالهجوم عليه لكن أيدي الجنود حالت بيني وبينه”.
وعاد الرئيس محمد نجيب ليدخل في إضراب عن الطعام مجددا، وكان يقضي أيامه فى متابعة أخبار العدوان الثلاثي، أو إرسال رسائل يشكو فيها سوء المعاملة، و أخرى للاطمئنان على أسرته، وفي يوم 18 نوفمبر 1956 كتب خطابا إلى أحمد أنور قائد البوليس الحربي عن المتاعب وعن عدم الاطمئنان على أولاده، وبعد أيام جاءه حسين عرفه ضابط البوليس الحربي يخبره بأنه سينتقل إلى جهة أخرى، يقول في مذكراته: “وبعد أيام حضر حسين عرفه ضابط البوليس الحربي وقائد المباحث العسكرية الجنائية، يعتذر لي عما بدر من الضابطين ويبلغني أننا سننتقل إلى جهة أخري بعد تغيير الضابطين جمال القاضي و عبد الرحمن نصير”.
انتقل “نجيب” من فيلا على الطراز الإنجليزي بقناطر نجع حمادي إلى حجرة رطبة في طما بمحافظة سوهاج، حيث يقول :” انتقلنا إلى بيت محامي فى طما، عرفت أنه زوج شقيقة أحمد أنور وعديل حسين عرفه، وبقيت هناك 59 يوما كاملا في حجرة رطبة لا تدخلها الشمس، وعند النوم، أنام ومعي حراسة مشددة داخل الحجرة، حتي حرية النوم بمفردي فقدتها”.
وأعيد الرئيس محمد نجيب إلى فيلا زينب الوكيل مرة أخرى وظل قيد الإقامة الجبرية حتى منحه الرئيس الراحل محمد أنور السادات حريته في سنة 1971، وتُوفي محمد نجيب في 28 أغسطس 1984م بمستشفى المعادى العسكري، وشيع جثمانه فى جنازة عسكرية مهيبة تقدمها الرئيس الراحل حسني مبارك.
وعلي الرغم من القيمة التاريخية لهذه الاستراحة ووقوعها في مكان فريد يتعانق فيه التاريخ مع الطبيعة الساحرة، حيث تطل الاستراحة على نهر النيل وتحيط بها الأشجار الخضراء إلا أنها خالية ولا يتم استغلالها والاستفادة منها، واستخدمت فقط كاستراحة لوزير الري الذي لا يأتي إلى محافظة قنا إلا على فترات متباعدة.
ويطالب أهالي المنطقة بتطوير الاستراحة، وتحويلها إلى مزار أو منتجع سياحي، مع عرض شرح تعريفي لتاريخ تلك المنطقة، خاصة أنها شهدت فترة تاريخية عظيمة من تاريخ مصر، ونفي بها الرئيس الراحل “محمد نجيب” أول رئيس لجمهورية مصر العربية.