صور ..”الشارع القنائي” تقضي يوماً مع عامل “مشرحة”.. حكاية عم”سعيد” مع الجثث المذبوحة والمتعفنة “
كتب: منى أحمد
حين قررنا قضاء يوم مع عامل المشرحة لم يدر في خلدنا انها بهذا القدر الهائل من الرهبة، ورغم خوفنا الذي لازمنا منذ الصغر من الجثث وهولها ورائحة الموت وفظاعتها، فإن معايشة كل هذه الامور عن قرب شيء مختلف”.
قضت محررة “الشارع القنائي” يوماً كاملا مع أحد العمال داخل غرفة خافتة الاضاءة مساحتها أمتار قليلة، رائحة الموتى تزكم الأنوف، وراء كل جثة دخلتها قصص وحكايات”.. هنا مشرحة مستشفي قوص المركزي، جنوب قنا، فمجرد من التقرب منها تنتابك حالة من الخوف والرعب الممزوج بالألم “.
ولكن القصة تختلف لمن اضطرته ظروف المعيشة وواجبات وظيفته البقاء وسط الجثث، بالقطع يملك دون غيره قلب اصابه التجمد وعيون اعتادت علي رؤية الجثث ، كما يملك دون غيره حقيقة البشر الذين يعبرون من البوابة الاخيرة من الدنيا الي الاخرة.
عامين كافيين أن يغيروا مشاعر، عم سعيد احمد مصطفي، 54عاما، من الخوف الي الانغماس، حتى اصبحت يمكث مع الجثث أكثر أسرته واصدقائه، الأمر اصبح طبيعي بالنسبة له مع مرور الأيام.
تدور طبيعة عمل عم سعيد عامل المشرحة ، بين استلامه للجثة من الاسعاف ثم يدخلها الي احد ادراج المشرحة ليتحفظ عليها وتظل في عهدته ، فاذا كانت الوفاة ليست بها شبهة جنائية يتم توقيع الكشف عليها من مفتش الصحة ثم تصريح الدفن من النيابة.
أما الجثة التي بها شبهة جنائية، يخبرنا “سعبد”، عامل المشرحة، لها قصة اخري حيث يتم استدعاء الطب الشرعي لمعاينتها لمعرفة سبب الوفاة ، وأن يكون بجانبه من جلب الجثة من الثلاجة حتى انتهاء التشريح والتي تتراوح من ساعة الي 45دقيقة، ويستلمها مرة أخرى حتي تصريح الدفن من النيابة العامة.
يتذكر عم سعيد اصعب الحوادث والجثث التي مرت عليه، وهو الحادث الاقرب وهو حادث جثتي ذبح شفيقتين جزيرة مطيرة ، فحينها لم اتمالك نفسي من بشاعة الحادث ولكن سرعان ما عدت الي طبيعتي التي تتسم بالجمود والصمود.
وتابع يليها الجثث الغارقة او الناتجة عن التنقيب عن الاثار وحوادث القطارات، والتي تكون محللة ومتعفنة لفترة طويلة ولا تحتمل رائحتها، أما حوادث القطارات فتكون بشاعتها في انها علي اشلاء في الغالب ، والجثث مجهولة الهوية قصة اخري حيث تظل في المشرحة لشهور لعدم تعرف اهليته عليه حتي تصرح النيابة العامة بدفنها في مقابر الصدقة .
ويشير عم سعيد، أنه مع العمل في تلك المهنة فقد حاسة الشم والتذوق فلم تفرق معه اي رائحة او طعم فالكل تساوي، الحلو والمر، وبسبب رائحة التعفن تساوت مع رائحة العطر لا افرق بينهما وهي الضريبة الصعب في العمل ان تفقد حاسة من اهم حواسك.
لا يتمني سعيد محمد، ان يعمل ابنائه في مهنته القاسية، ” مش عايز عيالي يشوفوا اللي شوفته” وبتمني من ربنا اني اعلم عيالي احسن تعليم انا نفسي يطلعوا احسن مني ويكونوا حاجة تانية”.