كتب: صابر سعيد
تجليات المشهد تظهر واضحة فيما عاشه معاصري وأهالي القري والمدن في محافظة قنا أيام عروض “الأبيض والأسود” في السينما آنذاك، لتحلي تلك السينمات سواد الأيام وصعابها ببياض وفرحة المشاهدة عقب كل فيلم جديد.
تراث عاش لسنوات شهد علي حقب مختلفة وعاصر أشخاصًا مختلفون، يحكي كل ركن بداخله وخارجه عن قصة مر بها أصحابه والمعاصرين لتلك الوقت، وتصف جدرانه أصالته وتفرده لسنوات والتقدم ويكشف تشققات وتصدعات المباني واختفاء وهدم بعضها ما خلفه الزمن بها.
وما بين عراقة وشواهد تلك الحقب باتت تلك السينمات حكايات تسرد للأحفاد والمتابعين، طمس بعضهم هويتها بقصدٍ أون بدون وبقيت إطلالاتها وعشش الخفافيش ببعضها وهدم الآخر.
سينما عبد الوهاب بقوص.. أشهر سينما مصر في فترة الستينيات
اشتهرت مدينة قوص جنوبي قنا في فترة الستينات من القرن الماضي بوجود سينما عبد الوهاب الحاكم التي سميت علي اسمه وظلت بداية من فترة الستينات حتي أواخر الثمانينات، وتحول بعدها اسم الشارع إلي شارع السينما الذي يتوسط مدينة قوص، وما زال مبني السينما متواجد يعاني الإهمال والتشققات بعد هجره وتركه دون الاستفادة منه.
يحكي مراد حسن، عضو قصر ثقافة قوص وأديب قوصي، عن معاصرته في صغره لسينما الحاكم عبد الوهاب ومرافقته والده وأخيه الأكبر أثناء الذهاب لها، حيث كانت تعرض الأفلام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع بعد الترويج لها من خلال عربة حنطور تجوب شوارع المدينة حاملة دعاية للأفلام التي ستعرض والأفيش الخاص بها لتخبر من يريد الذهاب إلي السينما بالفيلم القادم، وكانت تتراوح سعر التذكرة وقتها من 3 قروش إلي 3 قروش ونص.
وتابع مراد حسن، أن سينما عبد الوهاب بقوص نالت شهرة واسعه وقتها وكانت من أشهر السينمات في مصر، حيث كان يعرض أفيش أفلامها في القاهرة وكذلك كانت تعرض مباريات لكرة القدم مثل الأهلي والزمالك، متذكرًا أنه شاهد أفلامًا لإسماعيل يس، ونجيب الريحاني، وعبد الحليم حافظ وفيلمه أبي فوق الشجرة.
وقال الأديب، أن في صغره وأثناء الفترة الدراسية كانت تخصص لهم المدرسة رحلات إلي السينما لمشاهدة الأفلام الوطنية لمتابعتها وبث روح الوطنية بداخلهم، وأن من المواقف التي لا تنسي صنعه للسينما المنزلية حيث كان يجمع شرائط الأفلام مع رفاقه الصغار ويضعها داخل قطعة من الكرتون ومعها مرآة عاكسة تعكس ضوء الشمس إلي الفيلم داخل الكرتون ولمبة بداخلها ماء لتكبير الشريط وظهوره علي الحائط الخلفي للكرتونه.
واختتم مراد حسن، حديثة عن سينما عبد الوهاب قائلًا هجر مبناها وتعرض للتصدع وظل كما هو من فترة كبيرة.
أما عن أمين أسامة، عضو نادي السينما بمبادرة نهضة قوص، قال إن أعضاء المبادرة ناقشوا فكرة استغلال السينما وتطويرها وعرض الأفلام فيها التي تعرض في نادي السينما، ولكن قوبلت بالرفض لوجود خلافات بين الورثة ورفضهم تأجيرها أو الاستفادة منها.
وتمني أسامة، أن تتاح الفرصة لاستغلال تلك السينما بدلًا من غلها وهجر مبناها، وأن يتبني أحد الرعاة تجهيزها لعرض الأفلام بها، لاسيما في ظل وجود نادي السينما الذي يسعي إلي نفس هدف السينمات.
تزامنت مع سينما عبد الوهاب بقوص وتحولت لمبني يتبع الكنيسة
في فترة الستينات تواجدت سينما نقادة بشارع السوق علي بعد أمتار من نهر النيل، وكانت تشتهر نقادة وقتها وما زالت بالصناعات اليدوية التي تصدر إلي بلدان السودان والخارج مثل الفركة ويعمل معظم سكانها بالزراعة، وتحول مبني السينما منذ ما يقارب 7 سنوات إلي مبني يتبع الكنيسة بعد تنازل أصحابه لها.
أوضح جرجس ثروت، سيناريست وروائي من مدينة نقادة، أن أحد المصورين المشهورين في نقادة كان يشرف علي تلك السينما لعرض الأفلام القديمة والدعاية لها، وما زال هناك أفيش لفيلم معروضًا علي حائط مدخل السينما ولكن طمس كلامه مع الزمن.
وقال ثروت، إن السينما لغة ووسيلة مهمة لصناعة الذوق العام والشخصية وتشكل الوجدان، كما تسلط الضوء على مشكلات المجتمع وتساعد فى حلها، وتضفي إحساسًا مختلفًا لأنها بدون شريك لمتعة المشاهدة فقط.
وأضاف الروائي، السينما تجعل الشخص يعيش مع الفيلم وأبطاله حتى يقال أن أثناء عرض فيلم تايتنك بوقت الصيف اندمج المشاهدين مع مشاهد الجليد وشعروا بالبرودة، متمنيًا أن تتواجد سينما في نقادة مرة أخري.
“سينما أمل” بدشنا توقفت في التسعينيات بدون رجعة.. مبني مهجورًا تسكنه الأشباح
لم يكن الرجل الغني الذي يدعي فوكيه آرثي يعرف أن السينما التي أنشائها في ستينيات القرض الماضي ستسكنها الأشباح بعد رحيله وتتوقف عن العمل والعرض.
وكانت السينما مساهمة بين مسلمين ومسحين لتضرب درسًا في الروح الوطنية وتمتع مشاهدي المركزي وقتها بالأفلام المتنوعة.
علي حليم، علي المعاش من أهالي دشنا، أوضح أن سينما أمل كانت من العلامات المميزة للمركز وقتها، حيث كانت تجوب إعلانات الأفلام شوارع المدينة قبل العرض بأيام في الستينيات، ولم يتجاوز سعر التذكرة وقتها 3 قروش أو 4 قروش.
ولفت حليم، أن عدد من الأفلام كان يحظي بمشاهدة من الجهور وكذلك الحفلات التي تملأ جنيات السينما، ومن أشهر الأفلام وقتها التي يتذكرها القاهرة 30 واللص والكلاب وفي بيتنا رجل، الناصر صلاح الدين.
وأشار حليم، إلي أن عروض السينما توقفت بعد سنوات قليلة من الإنشاء لا تتعدي الـ 15 عامًا، وهجر مبانها وموجود إلي اليوم بمدينة دشنا.