دفتر أحوال

“العنف الأسري” يهز أركان البيت القنائي .. و”أستاذ جامعي” يعرض مقترحات لحل المشكلة

كتب: أحمد القواسمي

شهدت الآونة الأخيرة زيادة ملحوظة في جرائم العنف الأسري بمحافظة قنا، وشاعت بدرجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وباتت تهز أركان البيت القنائي، ومن بين تلك الحوادث الشهيرة في قنا، إقدام أم على قتل أطفالها الثلاثة وإصابة زوجها لتخلو بعشيقها، كما شملت حالات العنف الأسري كل أفراد الأسرة، كعنف الزوج ضد زوجته، وعنف الزوجه ضد زوجها، وعنف أحد الوالدين أو كلاهما تجاه الأبناء، أو عنف الأبناء تجاه والديهم.

ويستعرض “الشارع القنائي” فيما يلي أبرز جرائم وحالات العنف الأسري التي شهدتها محافظة قنا.

شاب يطعن والده في قوص بسبب خلافات على المنزل

في الأول من مارس 2020، لقي مزارع مثرعه، وأصيبت زوجته بطعنات متفرقة بالجسم داخل منزلهما بقرية حجازة قبلي بمركز قوص، وتبين أن نجل المجني عليه الأكبر وراء الجريمة، بسبب خلافات على المنزل.

تلقى اللواء شريف عبدالحميد، مدير أمن قنا، إخطارا يفيد مصرع “شحات .ف.أ”، عامل، وإصابة “حليمة. م.أ” زوجته، وذلك داخل منزلهما بقرية حجازة قبلي بمركز قوص.

وتبين من التحريات، أن نجل المجني عليه الأكبر وراء الجريمة، حيث قام بطعن والده عدة طعنات بالوجه والرقبة أثناء نومه، وعقب الانتهاء من جريمته شاهدته زوجة والده فقام بطعنها عدة طعنات خوفا من افتضاح أمره، وفر هاربا، وتم نقل الجثة للمشرحة والمصابة للمستشفى.

وتبين من التحريات أن خلافات على المنزل وراء الجريمة، وتم ضبط المتهم والسلاح المستخدم في الجريمة، وحرر محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة العامة لتتولى التحقيقات.

زوجة تقتل زوجها على مائدة الإفطار بمركز قفط

وفي 9 مايو 2020، أقدمت سيدة على قتل زوجها، عبر طعنه بسكين في أنحاء متفرقة بجسده بمدينة قفط جنوب محافظة قنا، لخلافات بينهما قبل موعد الإفطار.

وتلقى مدير أمن قنا، إخطارا بمصرع سيد. د، 40 عاما، صاحب مقهى بمنطقة العويضات، بطعنة نافذة من سكين أدت إلى مصرعه في الحال.

وتبين من التحريات أن خلافات نشبت بينه وبين زوجته الثانية، داخل منزلهما، ما دفعها إلى طعنه بسكين لفظ على إثرها أنفاسه الأخيرة.

وتم نقل الجثة إلى مشرحة مستشفى قنا العام، وحرر محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة العامة لتتولى التحقيقات لكشف ملابسات الواقعة.

شاب يقتل والده في قوص بسبب خلافات عائلية

وفي 10 سبتمبر 2020، لقي شخص مصرعه، طعنا بسكين على يد نجله، بقرية المعري التابعة لمركز قوص جنوب محافظة قنا.

ورد إخطار يفيد بمقتل “محمد .ع”، 60 عاما، عامل، على يد نجله، (ع.)، 30 عاما، بقرية المعري بقوص

وجرى نقل الجثة إلى مشرحة مستشفى قوص المركزي، وتم ضبط المتهم والسلاح المستخدم في الواقعة، بسبب خلافات عائلية، وحرر محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة العامة لتتولى التحقيقات،

رجل يذبح زوجته في قنا لمروره بحالة نفسية سيئة

وفي 1 يونيو 2021، لقيت زوجة مصرعها ذبحا على يد زوجها؛ بسبب مروره بحالة نفسية سيئة، بقرية أولاد عمرو التابعة لمركز قنا.

تلقى مدير أمن قنا، إخطارا بالعثور على جثة “عطيات. م” 65 عاما، ربة منزل، غارقة فى الدماء، نتيجة ذبح في الرقبة.

وكشفت التحريات، أن الزوج وراء الجريمة، حيث إن المتهم تخلص من زوجته بذبحها بالسكين، بسبب مروره بحالة نفسية سيئة، وتم نقل الجثة إلى المستشفى، وحرر محضر بالواقعة، وتم ضبط المتهم، وأخطرت النيابة العامة لتتولى التحقيقات.

أم تقتل أطفالها الثلاثة وتصيب زوجها من أجل عشيقها

وفي 24 يوليو 2021، لقي 3 أشقاء مصرعهم، وأصيب والدهم باشتباه تسمم، في قرية كوم البيجا التابعة لمركز فرشوط، شمال محافظة قنا.

ورد إخطارا يفيد بمصرع 3 أطفال أشقاء هم: “أمير” 7 أعوام، وشقيقيه أميرة 8 أعوام، وآدم، 9 أعوام”، وإصابة والدهم، باشتباه تسمم بعد تناولهم عصير معلب.

وجرى نقل الجثث والمصاب إلى مستشفى فرشوط، وحرر محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة العامة لتتولى التحقيقات.

وعقب ذلك نجحت الأجهزة الأمنية بقنا في حل لغز وفاة 3 أشقاء وإصابة والدهم بالتسمم، أثر تناولهم عصير “منتهي الصلاحية”، حيث كشفت التحريات، أن وراء ارتكاب الواقعة والدة الضحايا، بعد أن قررت إنهاء حياتهم بوضع ” السم” في العصير من أجل عشيقها.

وبمواجهتها بما أسفرت عنه التحريات أقرت المتهمة، بأنها على علاقة عاطفية مع سائق يبلغ من العمر 26 عاما، حيث قررا ضرورة التخلص من زوجها وأبنائها من أجل الارتباط ببعضهما.

واعترف المتهم الثاني “العشيق” أنه قام بإعطاء المتهمة 4 عبوات عصير، بعد أن حقنها بمادة سامة، من أجل تقديمها لزوجها وأطفالها الثلاثة، للتخلص منهم، مشيرا إلى أن المتهمة بعد تأكدها من إصابة الضحايا بالتسمم، ونقلهم إلى المستشفى، قامت بإيهام أقارب زوجها بتناول الضحايا عصير فاسد.

آراء المواطنين حول أسباب “العنف الأسري” 

يقول عمر سيد، معلم لغة عربية، إن أسباب العنف الأسري تتمثل في ضعف الدين، والتنشئة الخاطئة، والدوافع النفسية، وتراكم المشاكل الاقتصادية، والإنحلال الأخلاقي، وتدخل بعض الأقارب والأصدقاء، وذلك عن طريق النميمة بين أفراد الأسرة، مؤكدا أن العنف الأسري له آثار سلبية على الأبناء منها الخوف، والاكتئاب العدواني، والهروب من المنزل، وإدمان المخدرات، والتهرب من الدراسة.

وللحد من العنف الأسري يقترح “سيد”، ضرورة الإرشاد والتوجيه السليم وحسن التربية من الأسرة، ووجود مرشد نفسي لتغيير سلوك الأبناء في المراحل التعليمية، ونشر الطرق الإيجابية للتعامل مع الأبناء عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة، والاهتمام بالأبناء عن طريق الوعي الديني، حتى ينشئوا على القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة، ومعرفة الحقوق الزوجية.

ويضيف عاطف حسن، مهندس زراعي، أن عدم التربية والبعد عن الدين، وتخلي الصعيد عن العادات والتقاليد التي كانت تميزه تعد من أبرز أسباب العنف الأسري، فضلا عن انتشار المخدرات، والبطالة والفقر والجهل والتسرب من التعليم مما زاد من عدد الفاشلين في المجتمع.

ويشير “حسن” إلى ضرورة تكثيف الدور الرقابي للأسرة والمدرسة، وتشديد القبضة الأمنية على تجار المخدرات، للحد من انتشار ظاهرة العنف الأسري، هذا إلى جانب تنظيم ندوات لتوعية المواطنين بخطورة العنف الأسري على الأفراد والأسرة والمجتمع كله.

أستاذ جامعي يبرز الأسباب والحلول

ومن جانبه يقول الدكتور ضاحي حمدان الرفاعي، مدرس تنظيم المجتمع بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بقنا، إن أسباب العنف الأسري ترجع لعوامل نفسية وسيكولوجية، واختلاف الفكر والثقافات بين الأزواج، وعدم التوافق بين الزوجين سواء ثقافيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو خلقيا، هذا إلى جانب كثرة الأعباء والتبعيات الاقتصادية والديون، وكثرة الخلافات بين الأزواج داخل الأسرة.

ويتابع: كما يرجع العنف الأسري إلى إهمال الزوج لزوجته والعكس، وإهمال الوالدين لأبنائهم، وتعرض الفرد في طفولته للعنف وإساءة المعاملة مما يجعله يطبق ذلك على أسرته الجديدة، وغياب الوازع الديني، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت تعرض مواد بها عنف، وتنقل الحوادث العنيفة ما جعل هناك حالة من استسهال القيام بالعنف دون الاهتمام بمعرفة توابعه.

ويرى “حمدان”، أنه للحد من انتشار العنف الأسري يجب عقد ندوات لتوعية المواطنين بأساليب التنشئة الاجتماعية السليمة، والتوعية بخطورة العنف الأسري على المجتمع، وكيفية التعامل مع أفراد الأسرة بعضهم لبعض، عن طريق تلبية الحاجات النفسية لدى أفراد الأسرة، والاهتمام بالمناسبات الاجتماعية الخاصة بأفراد الأسرة.

الإسلام يرفض العنف الأسري

فيما يقول الدكتور حجازي فارس المهدي، إمام وخطيب مسجد سيدي عبدالرحيم القنائي، إنه لا يجوز الاعتداء على الزوجة والأولاد وتهديدهم وترويعهم فلا علاقة لهذا بالشريعة الإسلامية السمحاء، بل إن الإسلام قد حث على خلاف ذلك، وجعل الإسلام حسن معاملة الأزواج لزوجاتهم وأهليهم معيارًا للخيرية؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي» رواه الترمذي.

ويضيف “فارس”، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ضرب نسائه قط؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ” رواه مسلم،
وأما قوله تعالى عن ضرب النساء: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ فلا يقصد بالضرب هنا إهانة الزوجة وإيذاؤها، بل هو لبيئة وثقافة معينةٍ تستحسن الضرب وسيلةً لعتاب الزوجة وإظهار عدم الرضا بسلوكها، ويكون تربية باليد أو السواك أو فرشاة الأسنان ونحوها، فالغرض منه التنبيه لا الإيلام.

العنف الأسري يتعارض مع مقاصد الحياة

ويتابع: إن حل المشكلات بالضرب وإبراز السلبيات هو مسلك الضعفاء وغير المنصفين الذين لا يديرون الأسرة إدارة حسنة، فضلًا عن تعارضه مع الميثاق الغليظ، لافتا إلى أن العنف الأسري يتعارض مع مقاصد هذه الحياة الخاصة في طبيعتها حيث مبناها على السكن والمودة والرحمة، بل يُهدِّد نسق الأسرة بإعاقة مسيرتها وحركتها نحو الاستقرار والأمان والشعور بالمودة والسكينة ومن ثَمَّ تحويلها لتكون موطنًا للخوف والقلق والشجار المستمر ونشر الروح العدوانية، فضلًا عن مخالفة هذا العنف لتعاليم الإسلام؛ فقد حث الشرع الشريف على اتِّباع الرفق ووسائل اليسر في معالجة الأخطاء.

ويستطرد: في واقعنا الأسري القائم في مجتمعاتنا وأعرافنا التقليدية تتحكم بعض الأساليب التي أصبحت واقعاً حياتياً معيشاً يحكم أسلوب التعامل بين الرجل والمرأة، أو بين الأبوين والأبناء، ويطبع العلاقة بينهما بطابعه، فنلاحظ مثلاً تحكّم أسلوب العنف الذي تطّبع به المجتمع العائلي فغدا يمثّل عُرفاً حتى غدا طبيعياً نحاول إعطاءه تبريراً منطقياً حين نمارسه بدعوى كونه نهجاً تربوياً يعمل على تطبيع المرأة وأسلوبها بما يتناسب مع تطلّعاتنا للبيت الزوجي، أو تطبيع الأبناء بطابع حياتي معين لتحقيق حالة الاستقرار داخل إطار الأسرة من خلال الالتزام بمنهج تعاملي مطلوب، والتناهي عن ممارسة أساليب حياتية اجتماعية أو فردية مخصوصة.

ويوضح: فنلجأ – مثلاً – من أجل فرض واقع انضباط المرأة – تجاه زوجها – لتنضبط عملياً بشكل حاسم في تحقيق رغباته ومختلف حاجاته ومطالبه، إلى التعامل معها بأسلوب العنف المتمثّل بالسب والشتم والإعراض والطرد والضرب وما إلى ذلك من وسائل الضغط التي يملكها الرجل، كما نلجأ لمثل هذا الأسلوب في التعامل مع الأبناء في مثل هذه الحالات؛ بل أصبحنا نلحظ تحكّم هذا الأسلوب في واقع هذه العلاقة لدى بعض من يدّعي الالتزام بالإسلام كمنهج وخطّ، وهذا يعطي الموضوع بُعداً سلبياً آخر.

ويؤكد إمام وخطيب مسجد سيدي عبدالرحيم القنائي، أنه لو حاولنا استكشاف المنهج الإسلامي في هذا الواقع لرأينا أنّ الإسلام حين قوَّم الواقع العائلي وشرّع له، نظر إليه من جانبين: أولهما إنسانية كلّ واحد من أفراد الأسرة دون استثناء، وثانيهما أخلاقية التعامل بين هؤلاء الأفراد، سواءً في إطار نظرة ربّ البيت لمن يعول، أو في إطار نظرة هؤلاء نحوه، وطريقة تعاملهم معه، فحاول أن يرسم خطوطاً للتعامل تراعي إنسانية الإنسان فيهم وأخلاقية العلاقة التي تقوم بينهم عاطفياً وسلوكياً، من جهة أخرى.

لكل فرد مسئولية تجاه أفراد الأسرة 

ويشير “فارس” إلى أن الإسلام شجع كلّ واحد من أفراد الأسرة أن يشعر بالمسؤولية تجاه الأفراد الآخرين داخل الإطار المنزلي، من خلال إمكاناته وطاقاته، ليمارس دور الرعاية التي افترضها الإسلام في كلّ شخص تجاه غيره من الناس، كما جاء عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “ألا كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم”، في الوقت ذاته رسم الإسلام حدوداً للتعامل وإطاراً للتعايش بالمعروف – ولا سيما في العلاقة الزوجية – (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/ 19)، (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) (البقرة/ 231).

ويؤكد: أنّ هذا يعطي صورة العلاقة التي يرسمها الله سبحانه ويريد لها أن تتحرّك داخل البيت، وتحدّد منهج الرجل الذي يمسك بحقّ القوامة على المرأة والولاية على الأبناء، في مجال التحرّك لحفظ الواقع ضمن إطار الرعاية (الأخلاقية) المتوازنة البعيدة عن كلّ افتئات على حقّ هؤلاء في العيش بحرّية وكرامة وسلامة، في ذات الوقت الذي يبادلونه فيه ذلك برعاية حقّه واحترام وجوده وقراراته التي يحدّد من خلال إطار التحرّك لهذا التجمع الإنساني الصغير.

التعايش بالمعروف بين أفراد الأسرة 

ويرى الدكتور “حجازي”، أنه لابدّ لتحقيق هذا التعايش بالمعروف من التزام منهج العمل باحترام إنسانية كلّ واحد من هؤلاء واعتماد أسلوب التراحم ورعاية المشاعر والأحاسيس، وبناء روح المحبّة والتعاطف، وحمل ما تفرضه المسؤولية الخلقية والشرعية من التزامات مادّية ومعنوية وروحية؛ مضافاً إلى الشعور بالمسؤولية التربوية تجاههم بتصحيح مسيرتهم في الحياة بمختلف جوانبها من خلال أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق