أشرف رشاد يكتب: النائب الذي أثار انتباه الرئيس عبدالناصر
إن هذا المقال قد يكون هو الأكثر حساسية بالنسبة لي بالمقارنة بينه وبين جميع مقالاتي السابقة ، وهي المقالات التي أتناول فيها بالتحليل صورة الحياة السياسية بقنا من بعد 1952 عبر تناول السير الذاتية للذين مثلوا مجتمعنا القنائي تحت القبة.
حساسية لا ترتبط بالشخصية السياسية التي أتناولها هذا الأسبوع إنما ترتبط بالفكرة أو الأفكار التي تحكم مجتمعنا السياسي في قنا، وقد كانت من الإثارة بمكان أن دفعت الرئيس عبد الناصر أن يتوقف عندها، إنه مجتمعنا القنائي الذي يقلب المعادلات، إذا ما تعارضت معادلته الشعبية مع معادلة السياسة العليا في البلاد، مجتمعنا القنائي ينتصر لمعادلته مهما كانت قوة بقية المعادلات، ومن ذلك، حينما قمنا في حزب مستقبل وطن باختيار مرشحينا في قنا وقفنا كثيرًا عند هذه المعادلة القنائية ونحن نرسم الخطوط الرئيسية فيها للإنتخابات.
على ناحية أخرى شهدتُني أتأمل المشهد المخفي من الحكاية، الحكاية المروية في مجتمعنا، وما يزال يتناقلها أهلنا في الشمال القنائي وقد دارت في قصر الحكم منتصف خمسينات القرن الماضي، عندما طلب الرئيس جمال عبد الناصر ان يأتوه بذلك الرجل الذي أخرجه القنائيون من المعتقل ليمثلهم تحت قبة البرلمان.
حساسية هذا المقال في أنني سأكاشف القراء بحقيقة المناخ السياسي في قنا قديمًا وفي وقتنا المعاصر، وهي حقيقة ما كان يجب أن أقولها وأنا ما زلت حاضرًا في الملعب السياسي، إذ يمكن أن أقولها بعد الإعتزال.
لكنها حقيقة يجب أن أتوقف عندها ليعلم الجميع، أبعاد النظرية التي استندنا فيها إلى المعادلة التي يجب أن تقوم عليها اختياراتنا، عندما قرر حزبنا وحزب الشعب الجمهوري وباقي أحزاب التحالف، وضع الخطوط الرئيسية لقواعد اختيار مرشحينا في الإنتخابات، وتلك النقطة سأعود إليها في منتصف هذا المقال.
كان من القوة بمكان أن خرج من المعتقل مباشرة إلى قبة البرلمان
يحكي أهلنا في الشمال القنائي قصة مروية تتناقلها الأجيال، كيف أن أهل نجع حمادي منحوا ثقتهم في الانتخابات للراحل محمد عبد النبي الشعيني عليه رحمه الله وهو مقيد الحرية بالمعتقل، ليخرج منه مباشرة إلى قبة البرلمان، حتى ان الرئيس عبدالناصر عليه رحمة الله طلب أن ياتوه به ليرى الرجل الذي اجتمع عليه أهل نجع حمادي ليمثلهم تحت قبة البرلمان، رغم انه مقيد الحرية ورهن الإعتقال..!!
المشهد الآخر من القصة المروية سقط من كتاب التاريخ، وضبطتني أتأمله، عندما علم الرئيس عبد الناصر من رجاله بقصة المعتقل الذي نجح في الإنتخابات، رأيتني أنظر في وجه الرئيس عبد الناصر وهو يسألهم: فيم اعتقل الرجل؟ فكانت الإجابة: لأنه من أولئك الذين يعلنون رفضهم لقانون الإصلاح الزراعي، وتحديد الملكية الزراعية عند حد الـ 200 فدان، ومصادرة باقي الأملاك، وقد بدا على ملامح الرئيس عبد الناصر – وفق ما أتخيل- الغرابة من أن يقف الناس في قنا ضد مصالحهم الشخصية، فهذا القانون في الأساس إنما جاء لصالح الغالبية العظمى من المزارعين، ومن صوتوا للرجل جلهم إن لم يكن كلهم من أولئك المزارعين الذين شملهم النفع الأعظم من ذلك القانون..!!
من هنا جاء استغراب الرئيس عبد الناصر فطلب بان ياتوه بالرجل، وفي اللقاء، كانت الحقيقة، الحقيقة.. التي سأكشفها، وما كان لي أن أكشفها، لكنها كانت موضع انتباهي أثناء فرز خريطة المرشحين، ليمثلوا تحالفنا في الانتخاباتالأخيرة.
الحقيقة أن القبائلية، هي المعيار الأقوى في الاختيار في أي انتخابات، كانت كذلك، وهي إلى ذلك ما تزال، ومن هنا رأينا في حزبنا مستقبل وطن، أن نحترم هذا المعيار، لكن علينا تهذيبه، خاصة في اختياراتنا لمرشحي القائمة، ليكونوا مصدر اتزان، لايجب أن نتخطى الإعتبارات القبائلية، ولكن علينا اختيار الأنسب في مكوناتها لكي يمثلونا جميعًا تحت قبة البرلمان.
كان رجلًا قويًا، حيث من قوته، أنه فرض السلام الإجتماعي في نجع حمادي وضواحيها بكل سهولة ويسر
كان الزعيم الراحل محمد عبد النبي الشعيني واحد من الزعامات القبائلية، التي جسدت فكرة أن لكل مكون قبائلي زعيم، أنبتته الظروف، وأن هذا الزعيم، هو زعيمهم حتى لو تعارض اخيتارهم له، مع مصالحهم الشخصية.
فكلنا يعلم أن قانون الإصلاح الزراعي وزّع الملكية الزراعية على قطاع كبير من المزارعين، وقد رفض الشعيني الكبير ذلك القانون، وتكلم ضده، فكان أن صدر له قرارًا بالإعتقال، لكن فئة كبيرة من هؤلاء المزارعين على ذلك، وإن كانوا يقبلون بالقانون، لكنهم يرفضون أن يكون على حساب الزعيم، الزعيم في بعض الأحيان هو الأولى عندهم حتى من مصالحهم الشخصية.
رجعت لحكايات التاريخ حول الرجل، فوجدتُ أن جوهر زعامته، كان في القوة، كان رجلًا قويًا، حيث من قوته، أنه فرض السلام الإجتماعي في نجع حمادي وضواحيها، بسهولة ويسر.. فلم تشهد فترة نيابته التي ذادت عن ربع قرن تحت القبة، أيه صراعات قبائلية، وتلك زاوية أخرى تحتاج في تناولها إلى مجلدات.
قوة الشعيني الكبير أنه كان يقف عند الأزمات التي تُسببها النزاعات القبائلية، بحيث إن قال كلمته لأهله، أو لهذا المكوّن الذي ينتمي إليه، لا يبقى كلام من بعده لأحد، وهو بذلك مع زعامات باقي المكونات القبائلية الأخرى، سريعًا ما كانوا يجتمعون فيخمدوا بكل سهولة.. تلك النزاعات.
ما يميز النائب الراحل محمد عبد النبي الشعيني عليه رحمة الله، أنه تمتع إلى جانب قوته بكثير من مفردات الذكاء الإجتماعي، والحرص على تعميق أواصر السلام بين العائلات، من ذلك تحققت زعامته، فالقوة ليست مذمومة في ذاتها، وإنما بتوظيفها في الضلالات، وقوة الشعيني الكبير وظّفها أفضل توظيف في ترسيخ دعائم السلم الإجتماعي، مع نواب جيله الذين شاركوه هذا الإتجاه، حتى أنه طوال فترة نيابته لم تشهد نجع حمادي وضواحيها أيه نزاعات، ولم يسقط جريح واحد في أيه انتخابات
رحمة الله على النائب محمد عبد النبي الشعيني
وعلى كل جيله من شيوخ النواب
جمعتكم طيبة
أشرف رشاد