أشرف رشاد يكتب: “دنقل” الذي يحق لنا أن نفخر به
إن المُطالع لصفحات تاريخنا السياسي في قنا، وإن جرحته بعض السطور المكتوبة بأشواك القبائلية، سيجد قبل أو بعد هذه السطور ما يمحو وجعها، ما يزيل أثرها، ما يطوي جرحها.. إنها السطور الرائعة التي تحكي قصة العظماء، فتدهس تحتها، السيئ من تلك السطور.
عن واحدة من الصفحات المضيئة في تاريخنا السياسي بقنا سيكون مقالنا هذا الأسبوع، الصفحة التي أضاء نورها إنطلاقًا من قرية “القلعة” بقفط.. الصعيد بكامله من الجيزة حتى أسوان، الصفحة التي أشرق نورها حتى أن واحدًا من أباطرة المال والأعمال في مصر – انسي ساويرس- حين تحدّث عن سر نجاحه، نسبه إلى صاحب هذه الصفحة المضيئة في تاريخنا السياسي والإقتصادي بقنا، عن رائد صناعة النقل في مصر المرحوم النائب أبوالوفا دنقل سيكون مقالنا هذا الاسبوع.
هناك شخصيات في تاريخنا السياسي بقنا حين تتحدث عنهم لابد وأن تتوضأ من كل الأدناس التي يقذفها بعض أتباعهم في وجهك، يريدون أن تأخذ الضفة الأخرى من النهر فتتبادل معهم إطلاق السهام التي في كل الأحوال إذا ما أصابت أيًا منا.. فإن النهر الذي يروينا جميعًا هو الذي سيتلوث، وهذا بالطبع ما تفعله معارك العصبية القبائلية فينا.
هنا شخصيات في تاريخنا السياسي بقنا، حينما تتحدث عنهم، لا يجب أن نُلقى اهتمامًا بمطلقي السهام على الضفة الأخرى من النهر، فقط شمر ساعديك وتوضأ بالسماحة، ثم اهتف الله أكبر، الله أكبر أن اصطفى من أهلنا في القلعة في قفط ما تشرفت به صفحات التاريخ، ليس تاريخ القلعة أو تاريخ مركز قفط، ولا حتى تاريخ محافظة قنا، بل تاريخ مصر بأكمله، أن يكون منّا من كان له الفضل بلا منازع في أن يربط شمال مصر بجنوبها، بشبكة من وسائل النقل هي الأكبر في الشرق الأوسط -وقتها- بحكم المسافة التي تغطيها من الجيزة حتى أسوان.
على علاقته الوطيدة بوالد الرئيس جمال عبد الناصر، إلا أن ذلك لم يمنع عنه صدور قرار بتأميم شركاته سنة 1964
إن صفحة مضيئة في تاريخنا السياسي والتنموي بقنا لهي الصفحة التي يجب أن نفخر بها جميعًا نحن أبناء محافظة قنا، إنها صفحة المرحوم النائب أبوالوفا دنقل الرائد والمؤسس لشركة أتوبيس الصعيد، والذي يرجع إليه الفضل فى مدّ خطوط المواصلات إلى قرى الصعيد قاطبًة من أسوان وحتى القاهرة، مرورًا بمحافظات مثل السويس والبحر الأحمر وذلك فى ثلاثينيات القرن الماضى.
كان المرحوم أبو الوفا دنقل عضوًا بآخر مجلس نواب قبل ثورة الضباط الأحرار في 1952، ثم كان عضوًا فى أول مجلس أمة بعد الثورة عام 1957، وهو على علاقته الوطيدة بوالد الرئيس جمال عبد الناصر، إلا أن ذلك لم يمنع عنه صدور قرار بتأميم شركاته سنة 1964، ومنها بالطبع الشركة الأكبر في مجال النقل والمواصلات وقتها شركة اتوبيس الصعيد.
إلى ذلك وإن كان هناك من يأخذ على الثورة أنها صادرت واحدة من أهم شركات النقل التي كانت تمثل الشريان الأوحد لحركة الناس في مساحة تزيد عن نصف المساحة المأهولة لمصر، إلا أن ذلك من ناحية أخرى يُحسب للرئيس جمال عبد الناصر أنه لم تمنعه العلاقة بين والده “عبدالناصر حسين” وبين “المرحوم أبو الوفا دنقل” من إصدار مثل هذا القرار، الذي كان مرجعه أنه لا يجب أن تكون شركة بهذه الضخامة ملك لشحص واحد.. حتى لو كان هذا الشخص هو الصديق الصدوق لوالد الرئيس، وفي هذه الجزئية هناك قصة يجب أن تروى.. لأنها تكشف حجم العلاقة بين المرحوم أبوالوفا دنقل وعبدالناصر حسين والد الرئيس جمال.
رشحه الرئيس السادات وزيرًا للنقل لكن ملك الموت وصله قبل أن يصل أبو الوفا دنقل إلى ذلك المنصب.
يقول فاروق عطية في مقالته “قطار الرحمة أنه في أحد أيام شهر فبراير من العام 1954: ” أثناء خروجنا من الفصول للفسحة الصغيرة (15 دقيقة) بين الحصة الثانية والحصةالثالثة، شاهدتُ رجلا هزيلا يرتدي بنطلون أسود وجاكت كاكي وعلي رأسه طربوشا تحته منديل محلاوي والدم يغطي وجنتيه يدخل من باب المدرسة الأمامي، فقابله حضرة الناظر عارف بك عسكر (الذي ألغيت بكويته مع الثورة)، سأل الناظر ذلك الرجل عما يريد، فأجاب أنه يريد استخدام تليفون المدرسة للاتصال بالقيادة ليخبر ابنه جمال عبد الناصر بما حدث له من اعتداء، فنهره حضرة الناظر وطرده خارج المدرسة، قائلا له أن تليفون المدرسة ليس تليفونا عامًا لاستخدام كل من هب ودب، وبعد انتهاء اليوم الدراسي علمتُ من أحد الزملاء وقد كان أبوه ناظر محطة اتوبيس الصعيد إسمه محمد عبد التواب، كان علي خلاف مع صاحب شركة أتوبيس الصعيد أبو الوفا دنقل، وحكمت المحكمة لناظر تلك المحطة بمبلغ مالي كبير علي سبيل التعويض، فلجأ أبو الوفا دنقل إلي صديقه عبد الناصر حسين (والد جمال) للتوسط بينه وبين محمد عبد التواب وحلّ الخلاف الذي بينهما، وعندما توجه عبد الناصر مع أبو الوفا دنقل إلي محطة الأوتوبيس محاولا التدخل ثار عليهما ناظر المحطة ضاربا بمفتاح فرنساوي كبير كان علي مكتبه، فأصاب عبد الناصر حسين بجرح في جبهته، توقعنا بعدها – والكلام لكاتب المقال- أن يستغلّ جمال سلطته في إجراء عمليات انتقامية، ولكن ذلك لم يحدث..”
بل إن الذي حدث أن تمت مصادرة الشركة بكاملها في وقتٍ لاحق، لكن ذلك لم يمنع المرحوم أبو الوفا دنقل من أن يكون مرشحًا لتولي وزارة النقل والمواصلات في بداية فترة حكم الرئيس السادات، لولا أن ملك الموت وصله قبل أن يصل أبو الوفا دنقل إلى ذلك المنصب.
رحمة الله على رجل ما اقتصر الفخر به على ذويه من آل دنقل، ولا على أهل قريته “القلعة، ولا على مركز قفط وحده، إنما يحق لنا جميعًا أن نفخر بأن رائد خدمات النقل والمواصلات في مصر هو واحد من نبت تلك الأرض- قنا- التي تأوينا أجمعين.
جمعتكم طيبة