كتب: عبد الرحمن الصافي
دائما تثبت الأسرة المصرية أنها قادرة على مواجهة أي ظروف وتحدّي الصعاب، والعمل بأقل الإمكانيات من أجل توفير لقمة العيش، لأبنائها قدر الإمكان، وتعلُّم أي حرفة تُمكّنها من اختلاق فرصة عمل لها، لتكون مصدرا أساسيا تحصل منه على قوتها.
قصة كفاح
يقول أحمد شوقي، وشهرته أبو يوسف، من أهالي قرية النجاحية، التابعة لدائرة مركز نجع حمادي بقنا، إنه كان يعمل بإحدى المناطق بالقاهرة، إلا أنه لظروف انتشار فيروس كورونا، فإنه اضطر إلى ترك العمل، والعودة إلى قريته، فما كان منه إلا أن تعلّم هو وزوجته حرفة جديدة، وهي عمل “العياشة” و”المقارص”، وبيعها لأهالي القرية والقرى المجاورة، حتى أنه يذهب أحيانا إلى مركز دشنا، لتسويق تلك المنتجات.
ويوضح “شوقي”، أن “العياشة” هي أطباق كبيرة يوضع بها العيش، لتخزينه، و”المقارص” هي أطباق مسطحة تستخدم لوضع عجين العيش الشمسي عليه ليتخمر، قبل إدخاله الفرن.
مشروع بسيط ويخدم البيئة من خلال إعادة تدوير الخامات
ويشرح “شوقي”، أنه يستخدم “دقيق هدر”، غير صالح للاستخدام الآدمي، وهو ما يقع على الأرض أثناء طحن الدقيق بالمطاحن، ثم يعجنه بالمياه، ويغليه على “كانون”، موقد، حتى يحصل على عجينة تسمى “العصيدة”، ثم يحضر “ماجور” من الألومنيوم ويستخدمه كاسطمبة ويضع عليه ورق الأسمنت، وورق الكارتون مستخدما “العصيدة”، لتعمل على تماسك الورق حتى يأخذ الورق شكل “الماجور”، أو الطبق الكبير.
منتجاته تسافر اتباع بالخارج
ويتابع “أبو يوسف”، أنه يستخدم أوراقا ملونة لتغليف “الماجور” أو الطبق؛ لإضفاء لمسة جمالية له، ثم بيعه حسب حجمه، مؤكدا أنه لا يغالي في الأسعار خاصة وأن هناك من يشتري منه ليبيعه مرة أخرى، لافتا إلى أن منتجاته تسافر إلى دول عديدة مع مَن يسافرون من أهالي القرية، منها الإمارات.
مناشدة لسقف المنزل
ويشير “أبو يوسف”، إلى أن المنزل به غرفة واحدة مسقوفة بالجريدة والطين، والغرفة الثانية بالجريد وبعض الأخشاب، وأنها تعتبر شبه مكشوفة، متمنيا أن يتم إدراج منزلهم ضمن المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”، ليأويهم حال سقوط أمطار، وإيجاد فرصة أكبر في تجفيف تلك المنتجات التي يصنعها، أعلى السطح معتمدا على حرارة الشمس والهواء، والاستفادة من تلك المساحة أعلى المنزل.
“العجانية” و”المقارص” عناصر مهمة بجهاز العروسة بالقرية
وتؤكد “أم يوسف”، زوجته، أن “العجانية” الكبيرة والصغيرة، التي تصنعها باستخدام الورق والدقيق، أصبحت عنصرا مهمة بجهاز العروسة بالقرية والقرى المجاورة، لافتة إلى استخدامها في تخزين العيش، أو وضع الدقيق بها، أو غيرها من الاستخدامات.
قلة الإمكانيات والخامات
وتشير “أم يوسف”، إلى قلة الإمكانيات، حيث المساحة الصغيرة التي تضع بها المنتجات لتجفيفها، مما يجعلها تستغرق وقتا لتجف، لافتة إلى اختلاف تلك الفترة في الشتاء عنها في الصيف، بسبب حرارة الشمس، مضيفة أن سعر ورق الاسمنت ارتفع من 5 جنيهات/ 100 ورقة إلى 30 جنيها.
صناعة “المقارص”
وتلفت “أم يوسف”، إلى أن هناك منتج آخر وهو “المقارص”، والذي يستخدم كثيرا بمنازل أهالي الصعيد حيث يوضع عليه عجينة العيش الشمسي، من أجل تخميرها، قبل إدخالها الفرن، موضحة أن طريقة عملها تتم من خلال إحضار الورق وتقطيعه قطعا صغيرة، ووضعه بالماء لمدة يوم، ثم تشكيله باليد على شكل قرص، ثم وضعه بمكان مكشوف أسفل أشعة الشمس ليجف.
المشروع يوفر لقمة عيش لـ5 أفراد ويخدم البيئة
وتؤكد “أم يوسف”، أن المشروع ساعدها كثيرا على توفير لقمة عيش لأبناءها الـ3، الذين ما زالوا بالمراحل الأولى من التعليم، كما أنه يخدم البيئة، من خلال إعادة تدوير الأوراق والكارتون، واستغلالها بشكل جيد، فضلا عن استغلال الدقيق “الدقيق الهدر” بأرضيات الطواحين، لافتة إلى أنه تشتري تلك الخامات، رغم أنها مخلفات.
“أم يوسف” تُعلّم “الصنعة” للسيدات بالقرية
وتذكر “أم يوسف”، أن هناك عدد من السيدات طلبن أن يتعلمن تلك الحرفة، مؤكدة أنها لا تبخل على أي أحد بتعليمه إياها، متمنية أن تلقى حرفتها الدعم اللازم، وتعزيز الإمكانيات المتاحة، ومساعدتها على تحسين ذلك المشروع، خاصة وأنه مصدر الدخل الوحيد للأسرة.