أشرف رشاد يكتب عن بن الباشا الذي زهد مقعد البرلمان بعد 3 سنوات
مازال حاضرًا في الوجدان الشعبي ، بتمرده.. بثقته في ذاته.. برغبته المتواصلة في كسر المألوف السيئ، وتعصبه المفرط للعادات الطيبة المتأصلة في المجتمع القنائي، بن الباشا الذي لم ينس يومًا جذوره، ولا أصوله، ولا ميراثه من أجداده، على أنه وهو كذلك يرفض بعنف كافة اشكال التمييز القبائلي، أو الجهوي، حتى أننا في تجربة حزب مستقبل وطن بقنا، أستلهمنا فكرته في التوازن القبائلي في الانتخابات، وقمنا بالبناء عليها بما يتوافق ومستحدثات الزمن.
عن النائب بن النائب بن النائب عن مصطفى ياسين باشا أكتب لكم اليوم، لنستعيد من روحه الطيبة أفكارًا لم يتسن له أن يراها تترعرع اليوم في بيتنا الكبير محافظة قنا، الثرية بتنوعها العائلي، وعاداتها العربية الأصيلة، والتي ما تزال تمثل لنا نحن جميعًا أبناء المحافظة رصيدًا أخلاقيًا نباهي به بقية المجتمعات في التمسك بالأصول، والاعتزاز بالجذور.
في انتخابات برلمان1987 قدم نفسه مثلًا عن قنا في انتخابات القائمة النسبية، فكان أن نجح بجدارة ليمثلنا تحت القبة في ذلك البرلمان، وبعد حل البرلمان، زهد العمل النيابي، ذلك أنه تشبّع بهذه السنوات، واكتفى بها، كتجربة نيابية له في سجل خبراته العديدة والمركبة في السياسة والإقتصاد، وعلم الاجتماع السياسي الذي كان يتعاطى فيه بقاعدة راقية، أن الناس بالناس، بكل الناس، وليس فقط الناس من مكونه القبائلي.
كان رحمة الله عليه يفخر بانتماءه، يعتز بجذوره، برغم اندماجه المفرط في الثقافة الأوربية
وما كان ذلك له إلا تعبيرًا عن مخزون كبير من الثقافة المتنوعة، التي اكتسبها عبر اتصاله بثقافات غربية إلى جوار ثقافة المجتمع الراقي الذي نشأ فيه في بيت الباشا يس باشا حامد، واتصاله الوثيق بثقافة الجذور في قنا، إنه أيقونة التنوع والرقي والتسامي، التي مازال أريجها يُعطّر التاريخ السياسي القريب لمدينة ومركز قنا.
إن مصطفى يس باشا بن عزبة حامد ومحافظة قنا، من تنوعه الفكري أنه لم يستنكف أن تكون أم أولاده غربية – أوروبية- من غير الجنس العربي، وربما من تمرده هذا أنه خرج عن المألوف القنائي، وعن كونه بن وزير أوقاف مصر يس باشا وزير الأوقاف رقم 25 في قائمة وزراء أوقاف مصر، ولا عن كونه كذلك حفيد النائب العمدة أحمد حامد أول عمدة – محافظ- لقنا قبل أن تصبح محافظة في التقسيم الإداري الحديث، فكان أن تأسى بجده الإمام الحسين الذي تزوج من شهربانو شاه زنان بنت يزدجرد بن أنوشروان.. الأميرة الفارسية، التي يعني اسمها باللغة العربية “ملكة النساء” الملقبة بـ “سلافة” ابنة آخر أكاسرة الفرس، وأم جدنا الإمام السجاد سيدنا على زين العابدين عليه رضوان الله.
بعد تجربته النيابية قصيرة المدة عظيمة الأثر، ثلاث سنوات فقط، هي عمر برلمان 1987، الذي صدر قرارًا بحله في العام1990، زهد مصطفى يس باشا العمل البرلماني، لكنه لم يزهد العمل السياسي، حتى انه من فرط نشاطه السياسي الذي يجمع فيه مختلف الخبرات، اختاره الحزب الحاكم وقتها رئيسًا للجنته الإقتصادية المركزية، ولا يخفى على أحد أن لجان الحزب الحاكم- أي حزب حاكم- هي من ترسم سياسات الحكم له، أي أنه بتوليه تلك اللجنة الإقتصادية، كان من أصحاب القرار الإقتصادي الرسمي في البلاد، وهي مكانة لا تعدلها مكانة ان يكون مجرد نائب تحت قبة البرلمان، وربما لهذا لم تمثل له عضوية البرلمان الإغراء الذي يرضي غروره وهو رجل الأفكار وصانع السياسات، لذلك حينما أدار معركة التمثيل العادل لكافة مكونات المجتمع القنائي في الإنتخابات المحلية لمركز ومدينة قنا عام 1992، نجح باكتساح في فرض خريطته المتوازنة في تلك الإنتخابات، التي حصد فيها الأغلبية لقائمته بعدما أدارها بجدارة غير مسبوقة.
كان يحب صناعة الرجال، وتبني الأفكار، وتطبيقها، وقد جعل من موطنه في دائرة مركز ومدينة قنا مسرحًا مصغّرًا لأفكاره الكبيرة، التي دفعت به لأن يتم اختياره رئيسًا للجنة الإقتصادية في الحزب الحاكم في التسعينيات.
تجربته في انتخابات المحليات عام 1992 عندما خطط لقائمة في دائرة مركز ومدينة قنا، تجربة ملهمة في أن التنوع والتوازن في التمثيل القبائلي كفيل بالانتصار وحفظ وترسيخ السلم الإجتماعي في قنا، وهي تجربة على صغرها إلا أنها كانت نبراسًا لنا في التخطيط للانتخابات البرلمانية السابقة في الغرفتين –شيوخ ونواب- أن التمثيل العادل والشامل هو ما يزرع الرضا في نفوس الجميع أن نعمل سويًا لرفعة المجتمع القنائي الذي نستظل به جميعًا تحت راية العدل والإخاء.
جمعتكم طيبة ورحم الله النائب مصطفى يس باشا
أشرف رشاد