أشرف رشاد يكتب: في حب أولاد يحيى وحسن الوكيل
لازلتُ في رحاب الأماجد من أولاد يحيي، فبعد التنسم بالذكرى الطيبة للمرحوم النائب طارق السباعي الاسبوع الماضي، والاستنارة من مواقفة السياسية السمحة، التي طابت بها قبة البرلمان، ومازال عبق سحرها تطيب به الأنفاس في دشنا وجيرانها، ندلف هذا الاسبوع إلى عمود عتيق من أعمدة أولاد يحيى، الذين زانت بهم قبة البرلمان لسنوات طويلة في العهد الملكي.
وكعادة الزعامات الاستثنائية في العمل السياسي، فإن من محطات شخصية مقالنا هذا الاسبوع، أنه كان ينجح في واحدةٍ من غرفتي البرلمان، وهو فيها.. يطرح نفسه للانتخابات في الغرفة الثانية، فينجح أيضًا.. وبإكتساح، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، لا.. بل يتقدم شقيقه، للغرفة الأولى، ومن طيب ذكرهما بين الناس، ينجح الشقيق في الغرفة التي زهدها من قبل شقيقه، إن في آل يحيي.. محطات في قطار السياسة، لا يمكن أبدًا بل ويستحيل، إلا أن يتوقف عندها الراصد للحياة السياسية في قنا.
حين يُذكر أولاد يحيي، يُذكر أكابر القضاة، ورموزه، سواء في العصر الفائت أو في عصرنا الحالي، وتُذكر أيضًا الفروسية، وشهامة العرب، حتى أنه قيل مما قيل فيهم من شعرما توقفتُ عنده لحسن لسانه وطيب بيانه ما أنشده الأستاذ الدكتور الشريــف محمود أحمد عبدالمحسن أستاذ الحديث الشريف وعلومه بجامعة الأزهر عندما كان معارًا إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام، قصيدته في أولاد يحيى بعنوان “أولاد يحــيي الأمـــــــــــاجــــــــــد”، وقد منَّ الله عليه بكتابتها فى المدينة داخل المسجد النبوى الشريف فى شهر المحرم عام 1426 من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى:
أكرم بهم يا صاحبى تكرما * أولاد يحيي فتية وكهولا
أولاد يحيي مجدهم من جدهم * بحر الندى جاء الوجود رسولا
خير الأنام محمد نور الدجى * ومن اهتدى فليقرأ التنزيلا
ورثوا المكارم كابراً عن كابر * فهم الأماجد كالأسود فحولا
عرب لعمرك طيبون أعزة * أنعم بهم ما بدلوا تبديلا
بيض الوجوه كريمة أحسابهم * رزقوا القبول فصائلا وأصولا
شأن الأكابر والأكارم فى الورى * لايعرفون سوى الأصول سبيلا
من مثلهم أنسابهم موصولة * بالمصطفى قم وفه التبجيلا
أنا ما رأيت لهم بدنيا عصرهم * والله يعلم فى الأنام مثيلا
فهم النجوم الساطعات وجدهم * بدر الوجود بأسره تفضيلا
برجال آل البيت تسمع يافتى * لخيولهم بجمالهن صهيلا
فتمسكوا بهدى المشفع جدهم * وتجملوا بصفاته تجميلا
صلوا الصلاة بهمة فى وقتها * بئس الذى ترك الصلاة خمولا
أولاد يحيي ارتجى دعواتكم * والله يعلم بكرة وأصيلا
على أنني وإن كانت عادتي في الكتابة هي الإبحار في السيرة الذاتية لنجوم أضاءوا حياتنا السياسية في السابق، إلا أن الأمر في نواب أولاد يحيي مختلف، إذ لا يمكن فصل مجدهم ومكارمهم عن البيئة الأخلاقية والقيمية التي نبتوا فيها وأزهروا منها.
فكبيرهم مولانا الشيخ عمران والد يحيى جدهم الأكبر، تخرّج من الأزهر عام 925 هجرية، وكان قاضيًا شرعيًا لمحكمة دشنا، التي تولى من بعدها رئاسة القضاء، فأوقفت له الحكومة العثمانية مئات الأفدنة، بحاجر جرجا، وأبعديات توارثها أحفاده، في مناطق عدة بشمال قنا، وإن كانت الثروة مفسدة في كثير منها، إلا انها عند آل يحيى، لم تكن إلا عونًا في الخير.. فزادت من خيرها بركة، يتوارثونها جيل من بعد جيل.
أولاد يحيى.. التسمية على جد القبيلة يحيى بن عمران. وكان “أولاد يحيى” قديما يُعرفون بالسادة الأشراف وكان يوجد بينهم وبين قبائل الهوارة خلافات شديدة.
وفي عام 1182ھـ 1769م تم الصلح بينهما، وكانت فكرة كبير هوارة وكبير كُشّاف الصعيد شيخ العرب همام بك بن يوسف الهواري من فرشوط، فتحالفت قبيلة أولاد يحيى مع قبيلة همام بك بن يوسف وخاضوا معارك وخيمة ضد أن يحكم مصر ضابط ألباني هو الوالي محمد على، فقتل واستشهد من قبيلة أولاد يحيى عدد كبير، وفي ذلك قال عنهم شيخ العرقب همام: إنهم مقاتلون أشداء، ومن حينها أطلق علي قبيلة أولاد يحيى: “الهوارة” ولقبوا بالهوارة في شرق جرجا ودشنا في أبومناع و”الزنيقة” أبو دياب حاليا.
ومن قراءة في تاريخ الجبرتي “عجائب الآثار”، الذي ذكر فيه “شرق أولاد يحيى” حوالي 10 مرات، يمكن أن نستنتج أن بلادهم كانت مركزا لتجمع قبائل الصعيد في الشدائد والحروب ، كما أنها كانت مأوىً آمنا لأمراء المماليك الفارين من مركز القيادة في القاهرة بعد محاولات الانقلاب التي كانت كثيرة الحدوث في الدولة المملوكية، والتي عرفت بتنافس أمراءها وغدر بعضهم بالآخر، فكانوا يجدون الأمان في أولاد يحيى بمركز دشنا في محافظة قنا وبقية قبيلة أولاد يحيى المنتشرون في قري ونجوع أبو دياب وأبومناع ونجع سعيد.
وهم على وصف علي باشا مبارك في “الخطط التوفيقية” مشهورون بالكرم والشجاعة، وقد تولوا أهم المناصب السياسية والإدارية منذ عهد محمد علي باشا وحتى الآن.
في هذه البيئة العامرة بالعلم والأخلاق وطيب الذكر، نشأ وترعرع عمدة مقالنا هذا الاسبوع المرحوم النائب والسياسي القدير حسن بك الوكيل، الذي أصبح عضوًا بمجلس النواب في الهيئة البرلمانية الثانية عام 1924، وفي سنة 1925 جرت انتخابات الهيئة البرلمانية الثالثة، فنجح فيها باكتساح، وفي العام 1930 جرت انتخابات الهيئة البرلمانية الرابعة، فكان له ما كان له في سابقتها، أن نجح باكتساح أيضًا، وعندما جرت انتخابات مجلس الشيوخ في العام 1936، تقدم لها حسن بك الوكيل ونجح فيها باكتساح أيضًا، كان حسن بك الوكيل عليه رحمة الله مثالًا للسياسي القدير في ممارسته السياسية على أرض أخلاقية عالية الهمة والإقدام.
ويأتي العام 1942 ليكون محطة بارزة في حياة النائب حسن بك الوكيل إذ يترك مقعده من مجلس الشيوخ ليترشح في الهيئة البرلمانية الخامسة لمجلس النواب، فينجح بسهولة منقطعة النظير، ولما خلا مقعده في الشيوخ، تقدم له شقيقه يحيى بك الوكيل، وحصده أيضًا بسهولة ويسر، وما كان ذلك ليكون إلا لرصيد ضخم لهما من المحبة والقبول بين الناس، رصيد صنعته أولاد يحيى بمكارمها في الأخلاق والأدرب وحسن الجوار، حتى أنه ليقال فيهم، أنهم ما تركوا عداوة فيهم أو بجوارهم إلا اقتلعوها من جذورها قبل أن تنبت فوق سطح الأرض، ولهذا تحصّل لهم الحب في قلوب الناس.
رحمة الله وبركاته على النائب القدير المرحوم حسن الوكيل وشقيقه النائب يحيى.
أشرف رشاد