أشرف رشاد يكتب: النائب الذي وحّد الفرقاء في “أبو تشت”
في زحمة الأحداث، وتراكم المهام، وتداخل المواقف، أضبطني أحيانا متلبسًا بالتأمل، الذي يكون أحيانًا هروبًا من تلاطم التفاصيل.. هنا في ردهات هذا البرلمان وفي قاعتيه التاريخيتين، اللتين شهدتا سجال ووفاق، واختلاف واتفاق، على مدار عقود طويلة مضت من تاريخ مصر النيابي، سجّلت شخصيات بارزة من مجتمعنا القنائي غيبها الموت محطات بارزة فيه، ولم تزل أنفاسهم تُعطّر الذاكرة الشعبية بمواقفها الأخاذة.. هنا كانوا، والآن قد رحلوا، لم يبق منهم إلا ما تخلدتْ به ذكراهم من مواقف سجلها كتاب التاريخ.
كلنا إلى زوال.. إلى تراب.. لا احد يملك مصيره.. لا أحد يعرف كم تبقى من حياته. حتى ماضينا لا نتحكم فيه من جديد.. لذلك فكلنا يرجو من الله المدد.. والرفق والسند.. لن يبقى منا سوى كلمات أو بقايا عمل.. كلنا تتخطفه الأمنيات، والحيوات.. وفي نهاية الطريق إلى الممات.. على أن الباقيات الصالحات خير وأبقى عند الله.. وعند الناس.
في مركز العائلات.. “ابوتشت” ثمة عبارة سياسية لم تخلُ من حقيقة: أن هذا المركز لا يعطي للنائب -أي نائب- سوى دورة أو اتنتين بالأكثر، على أن بطل حديثنا هذا اليوم كسر هذه القاعدة، فهو من القلائل الذين استطاعوا الحفاظ علي المقعد النيابي في مجلس الشوري لمده ٣٠سنة، وما كان ذلك له أن يكون إلا لصفات تفرد بها في شخصيته.. في سياساته.. في حياته.. جعلته مستمرًا تحت قبة البرلمان كل هذه المدة، وجعلتْ ذكراه باقية بيننا في الحياة.
عن الرجل الذي كان عنوانًا للتواضع..أحدثكم، عن النائب عف اللسان.. أخبركم، عن النائب الإنسان.. عنه وقد احتل مكانة بارزة في الوجدان.. أحدثكم، عن صاحب القيم النبيلة، والأخلاق الأصيلة، عن من كان مثالًا للفضيلة.. أحدثكم، عن النائب القدير المرحوم عبدالمنعم علي عبدالعزيز سليم، عميد قبيلة الوشاشات في”أبوتشت” تكون محطتنا هذا الأسبوع.
استطاع النائب المرحوم عبدالمنعم علي عبدالعزيز سليم عضو مجلس الشوري لمدة أكثر من ربع قرن بدأها في العام 1986 وأنهاها في العام 2011 أن يحفر اسمه في كتاب التاريخ السياسي لمحافظة قنا بحروف من نور.
حروف.. مازال ضياؤها كاشفًا لحقيقة مهمة، أن طهارة اليد.. وحسن السمعة.. والقدرة علي حفظ التوازنات القبلية الشديدة الموجودة داخل مركز العائلات بابوتشت، ليست بالمهمة التي يسهل على الكثيرين انجازها، لكنه انجزها.. واتقنها.. وقام بها خير قيام.
فمع قراءة بسيطة لسجل حياته، نجده قد دوّن أكثر بنوده بصفات حُسن الأخلاق، والعمل ليوم التلاق، والقناعة بأن ما عند الناس زائل وما عند الله باق، وقد كانت تلك الصفات هي أهم مميزاته التي اكسبته القدرة على اختراق قلوب الخواص والعوام، فوظف نفسه لترسيخ قيم السلام، بالتواضع في غير ضعف، والهمّة في غير اندفاع، فكان بلا منازع ربّان سفينة المصالحات بين أهالي دائرتة، في مركز العائلات.
تخرّج المرحوم النائب عبد المنعم من المدرسة السياسية لعائلته، التي كان هو واحد من أهم خرٍّيجيها الذين من شغلوا من قبله فصولًا.. لا تقل أهمية عنه في المسار السياسي للعائلة، فقد كان خير خلف لخير سلف، والده المرحوم النائب علي عبد العزيز عضو مجلس الأمة (1975-1961)، الذي كان بدوره خلفًا لعمِّه عضو مجلس النواب، النائب المرحوم الحاج عبدالحليم سليم الذي كان أيضًا عضوًا بالهيئة النيابية الثامنة عام١٩٤٢.
القاعدة المُستقاه من هذا التاريخ النيابي العريق للعائلة، “أنه يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك أبدًا لن يصبح في مقدورك خداع كل الناس كل الوقت” وهي القاعدة التي وضعها السياسي الأمريكي البارز إبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 1861م إلى 1865م، وما كان بقاء المرحوم النائب عبدالمنعم على عبد العزيز تحت القبة طوال 30 عامًا خلفًا لأسلافه الذين سبقوه إليها إلا من حُسن أخلاق جعلوه نبراسًا لهم في مسارهم السياسي لعقود، وقد كانت اخلاقهم تلك متجذرة في نفوسهم، بلا زيف او خداع.
رحمة الله على النائب المرحوم عبدالمنعم على الذي انتقل الي جوار ربه في الخامس من يناير ٢٠١٥، وعلى أسلافه الذين مثلونًا لعقود طويلة هنا في هذا البرلمان، الذي مازال عامرًا بالكثير من ذكراهم.
أشرف رشاد