أشرف رشاد يكتب: رحلة في الوجدان (3) فتوه العارفين سواح في بلاد الله
تفتحت عيناي على طلعته في فيديوهات يحفظها له أهل حينا، وهو يتمايل فيها طربًا في ساحته عند مسجد النبي يوشع في منطقة الشئون بقنا خلال فعاليات مولد سيدي عبد الرحيم القنائي.
– من هذا الرجل، جميل المُحيّا؟
- إنه لسان حال الشيخ العربي شيخ العصبة الهاشمية.. هكذا عرفوه ليْ، ثم عرّفه البعض: الحبيب أبو سمرة، وقال آخرون: فتوّة العارفين وحامل لواء المادحين.
تعريفات كثيرة، لا تكشف عن حاله بقدر ما تكشف حال أصحاب الأحوال الذين قتلهم هذا الرجل عشقًا فيه
إنه.. مولانا العارف بالله الإمام الحاج أحمد أبو الحسن.
ترنم يا فتى وامدح نبينا .. ولا تسمع لقول العازلين
فإن المادحين لهم لواء ومن خير الأنام لهم رواء
لهم أنفاس للعلّة دواء
ويوم الحشر أضحوا آمنينً
في أحد فيديوهاته، شاهدته يتحدث في قدر الوليْ عند العليّ، وقد هالني ما ساقه في قدر الولي عند العليّ، حتى تفتحتْ لي الآية الكريمة في قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر، فسيدنا موسى وهو من أولى العزم، ساقه الله جلّ وعلا إلى سيدنا الخضر، أن ينهل من علمه، بسم الله الرحمن الرحيم : ” قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا” (الكهف – 66).
وقتها أدركتُ أن علم الولي غير علم النبي، ومن تلك اللحظة فهمت الفرق بين علوم الحقيقة، وعلوم الشريعة.. وقتها أصبحتُ عاشقًا لمولانا الإمام أبو المحاسن أحمد أبوالحسن أبو سمرة عليه رحمة الله، افتش في كلماته، وأنهل من فيوضاته، بما يريد الله أن ينعم به منها عليِّ.
في الذكرى السابقة لمولد الإمام الحسين رضى الله وقد كنت حريصًا على زيارة ساحة الإمام الحاج أحمد أبو الحسن، تأخر بي الوقت لساعات قطعت فيها الطريق لزيارة بعض ساحات أهلنا المتصوّفة في رحاب وليّ النعم سيدنا الإمام الحسين رضي الله عنه، وأردتُ أن تكون خاتمة الزيارة في ساحة العصبة الهاشمية عند أبناء مولانا الحاج أحمد أبو الحسن.
لكن الليل كان قد أرخى سدوله، وخشيتُ أن أوقظهم بعد عناء نهار طويل في خدمتهم زوار الإمام الحسين فعدلتُ عن الزيارة حياءً وخجلًا من أبناء الحاج أحمد أبو الحسن.
على أن مولانا الحاج أحمد أبو الحسن نفسه لم يفارقني بقصائده التي صارت المنهل الرئيس لأغلب المنشدين في ساحات الصوفية خلال رحلة العودة من قلب منطقة”الجمالية” حتى شارع الأزهر، مداح يشدو ببيتِ في قصيدة من قصائد الشيخ الحاج أحمد أبوالحسن، إلى عُشّاق يهيمون بـ “طه” في رائعة مولانا أبوسمرة
طه .. طلعة البدر، طه.. ليلة القدر
طه.. من رآه يدري، طه.. فهو نور الله
وظللنا طوال طريق العودة حتى شارع الأزهر.. تغمرنا فيوضات قصائد شيخنا الحاج أحمد أبو الحسن التي كانت وما تزال وستبقى منهلًا يقطف منه كل مُدّاح الحضرة المحمدية.
” الحمد لله..
وأشكره شكر الزائل.. الفار من نفسه إليه
وأشهد أن لا إله إلا الله.. تلقينًا كما أمر
وأشهدُ أن الحبيب الأعظم .. صلى الله عليه وسلم
والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم
النور الذي ما خلفه مرمى
أول العابدين.. الذي عبدالله من حيثُ لا ملا ولا خلا
نور بصائر العارفين
الطود الأشم.. الذي لا يصدّعه التجلي الذاتي
مرآة الحسن التي تجلى فيها كل اسمٍ.. صفاته
درة الكنز
أول قابلٍ لتجليات الله
القابض على دروب الوحي
كعبة الحمد وعرش المحامد محمد
أحمدُ من حمدَ وحُمِد عند ربه
شيخ الأنبياء وأستاذ المرسلين “
هكذا كان حضرة مولانا الحاج أحمد أبو الحسن عليه رحمة الله يبدأ كلمته التي تفيض بالنفحات، كل كلمة تعجُّ بالمعاني التي تضيق بها الكتب لكن تتسع لها صدور المحبين العاشقين الذين يجلسون إليه، وكما قيل في الأثر: “كلما اتسع المعنى ضاقت العبارة”
لاحظ معي عزيزي القارئ مقتطفات من افتتاحيته عليه رضوان الله وهو يقول في وصف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : “النور الذي ما خلفه مرمى”.. أي كلام ممكن أن يحد هذه العبارة في وصفه رضى الله عنه للحضرة المحمدية؟!
فـ “المرمى” في اللغة هو المكان المهيَّأ للرَّمي، أو المكان الذي تُصوَّب إليه السهامٌ ونحوها، أو ما تُصوَّب إليه الكُرة، فـ “المرمى” هو الغاية أو النهاية أو المدى، فتخيل أن نورًا ليس خلفه مرمى، أين تكون نهايته، لا نهاية له، نور سيدنا محمد.. لا نهاية له
عبارة لم يسبقه فيها سابق، هي من عندياته هو فقط، أو بالأصح من لدن حكيم عليم.
من هنا يمكن أن يتخيل التلميذ في مدرسة الحب الإلهي، كيف يكون قدر الوليْ عند العليّ، من هنا كان حال النبي سيدنا موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر عليه السلام، حال الإعجاز، في العلم، التميز في العطاء، الذي ميز الله به أولياءه عن أنبياءه، هنا أدركتُ قول الله جلّ وعلا: ” فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَٰهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا” وهنا طلب سيدنا موسى من سيدنا الخضر: ” هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا”
فيا سعد من وجد في طريقه ولي
رحمة الله وبركاته على فتوّة العارفين
مولانا الحاج احمد أبو الحسن
أشرف رشاد