أبونا ومولاناالشارع السياسي
أخر الأخبار

أشرف رشاد يكتب:رئيس وزراء دولة النبي

“إن كان قال فقد صدق”
كان أول رئيس وزراء في دولة النبي صلى الله عليه وسلم، وظل في موقع الرجل الثاني بالدولة طوال حياة النبي، ثم أصبح خليفته على الأمة بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم، إنه صديق النبي وصاحبه، قبل البعثة وبعدها، الصدِّيقُ والصديق، والخلُّ والرفيق، والوفيّ الرقيق.. انفق ثروته كلها على الدعوة بطيب نفسٍ وايثار.
كانا صديقان من عُمر الطفولة، حتى أنه رافق النبي في رحلته صلى الله عليه وسلم مع عمه أبو طالب وهو صغير إلى بلاد الشام، فرأى ما رأى وسمع ما سمع من قول بحيرة الراهب عن الطفل الصغير محمد
في قراءة بسيطة لسيرته رضى الله عنه يمكن القول أنه آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم حتى من قبل مجيئ الوحي، وتلك مساحة خافته في السيرة النبوية لم يتعرض لها الكثير من الكُتّاب، من أنه رضى الله عنه، لم يكن فقط رفيقه في الغار في رحلة الهجرة، بل كانا صديقان من عُمر الطفولة، حتى أنه رافق النبي في رحلته صلى الله عليه وسلم مع عمه أبو طالب وهو صغير إلى بلاد الشام، فرأى ما رأى وسمع ما سمع من قول بحيرة الراهب عن الطفل الصغير محمد، وما سيكون له من شأن عظيم، فآمن بصديقه من قبل أن تحط الدعوة رحالها على قلب النبي.
القصة.. أنه لما خرج عم النبي أبو طالب في قافلة إلى الشام، وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، كان الطفل عبدالله بن أبي قحافة في تلك القافلة، لازم الطفلان بعضهما البعض في تلك الرحلة، فلما أشرفت القافلة على المنطقة موضع “بحيرة الراهب” هبطوا وحطوا رحالهم عنده، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت.
وبينما هم يفكّون رحالهم خرج “بحيرة” يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخٌ قريش: ما علمك؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجداً، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، فلما رأيته أيقنته، ثم رجع فصنع لهم طعاماً، فلما أتاهم به، وكان النبي يرعى الإبل، قال الراهب: أرسلوا إليه، فأقبل صلى الله عليه وسلم وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجد القوم قد سبقوه إلى فيءِ -ظل- الشجرة، فلما جلس مال فيءُ الشجرة عليه، فقال الراهب: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، والرواية فيما معناها وعلى نحوها السابق وردت في حديث حسّنَهُ الترمذي وصححه الحاكم والجزري وقواه العسقلاني والسيوطي.
هنا يمكن القول بأن أبا بكرٍ الصديق رضى الله عنه، لم يكن صديقًا عاديًا للنبي في صباه، أو قبيل البعثة، أو بعدها أو أثناء الهجرة وسنوات الدعوة فحسب، بل كان رضى الله عنه الأقرب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم من بين كل رجالات قريش، من الطفولة إلى الصبا، ومن الصبا إلى الشباب، وظلا كذلك حتى ارتقت الأرواح إلى السماء.
 لم يكن غريبًا أن يصبح سيدنا أبو بكر هو أمين الأمة الأول وخليفة رسول الله عليها من بعد انتقاله صلوات الله عليه وآله وسلم.
اسمه عبدالله أبو بكر بن أبي قحافة، واسم أبوه عثمان، وعثمان هو أبو قحافة، تأخر أبو قحافة في الاسلام جدًا، حتى أسلم يوم فتح مكة، ومع ذلك فقد مات من بعد ابنه أبي بكرٍ بـ 6 أشهر ، عن عمر 97 سنة.
أمّا والدته رضى الله عنه فهي سلمى بنت صخر، التي اسلمت في فجر الدعوة، وكانت مع المؤمنين في دار الارقم، الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع فيها مع أوائل المسلمين في مكة المكرمة بداية الدعوة، وقد كانت آنذاك الدعوة إلى الإسلام سرية، وفي دار الارقم كان النبي يُعلّمهم أسس الإسلام و القرآن، وفي تلك الدار أسلم كبار الصحابة، منهم سيدنا عمر بن الخطاب، وقد أسلمت السيدة سلمى في بداية الاسلام.
ذات مرة وهو في طفولته سيدنا أبي بكر رضي الله عنه أخذه والده إلى الآلهة بجوار الكعبة، وطلب منه تعظيمها، يقول أبوبكر في ذلك، توجهت إلى أحدهم ساخرًا فقلت: اطعمني،ولأني أعلم أنه لا يقدر، رميته، بحجر.
وعندما سألوه في الجاهلية: لماذا لا تسجد للات والعزى، قال ومن هم، قالوا بنات الله، فقال ومن أمهن، فألجموا.
ولهذا كان حسن إدراكه رضي الله عنه يسبقه في حركاته وسكناته.
وقد كان سيدنا أبي بكرٍ يلقب رضي الله عنه بالعتيق، والعتيق كلمة معناها القديم، ويقال أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من لقبه بالعتيق، فقد كان النبي ذات مرة يمشي في الطريق فلما قابل أبي بكر، قال لمن حوله: من أراد أن ينظر إلى عتيق الله من النار فلينظر إلى أبي بكر ، وقيل أنه كان يلقب بهذا اللقب “العتيق” في الجاهلية.. لماذا؟ قيل: لجمال وجهه وجمال أخلاقه، يُقال في وصف الطِيْبْ الجيد المعتق: الأصيل القديم الجميل.
ينتمي سيدنا آبو بكر إلى قبيلة بني تيم وهي بطن من بطون قريش، ولما كانت لكل قبيلة في قريش مهمّاتها الخاصة، كان اختصاص قبيلة تيم هو تنظيم دفع الدّية والغرامات والإشراف عليها.. وكانت هذه القبيلة إبان العصر الجاهلي قبيلة قليلة العدد في مكة المكرمة ولم تكن مثل بني عبد مناف أو مخزوم أو بني سهم.
ففي القصة المشهورة بين أبي سفيان بن حرب والإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنهم أجمعين.
أنه عند تولى أبي بكر الصديق – رضي الله عنه- الخلافة ، جاء أبو سفيان بن حرب للامام علي كرم الله وجهه وقال له ( أيغلبكم على هذا الأمر أقل بيت في قريش ، أما والله لأملأنها خيلا ورجالا إن شئت، أي إن طلب الإمام الخلافة لنفسه فسيجمع له أبوسفيان كل قريش، فرفض الامام على كلام أبي سفيان هذا، وقد تولى سيدنا أبي بكر الخلافة وعمره 61 عام، وهو يلتقي نسبه مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الجد السادس، عند مرة بن كعب.
على أنه كان لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه مكانة كبيرة في قريش قبل الإسلام، فهو من العشرة الذين كانت لهم قيمة في قريش بحكم أنه كان من كبار تجارها، الذين كانت تعرفهم الأقوام من خارج قريش بحكم جولاته في التجارة بين الأقطار.
ولد سيدنا أبو بكرٍ بعد عام الفيل بعامين، أي أنه أصغر من سيدنا محمد بعامين، ما يعني أنه عند البعثة والوحي كان عمره 38 عام، ونعرف طبعا أن النبي كان عمره وقتها 40 عامًا.
وتمكن سيدنا أبي بكر من حفظ القران في هذه السن.. 38 عامًا، ما يعني لمن يتعذرون بكبر العمر عدم قدرتهم على حفظ القرآن، أنهم غير محقين في هذا التذرع، وهذا الأمر يأتي ليؤكد فرصة أن من مرّ به العمر لا يزال ممكنًا أمامه الوقت لحفظ القرآن، أسوّة بسيدنا أبي بكر.
هاجر سيدنا أبو بكر مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، وكان وقتها عُمر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم 53 عام وكان عمر سيدنا أبو بكر 51 عاما.
إلى ذلك فتعالوا نطالع البطاقة الشخصية لسيدنا أبي بكر
كان لسيدنا أبي بكر زوجتان في الجاهلية و زوجتان أخريتان بعد الاسلام، زوجته الاولى في الجاهلية اسمها قُتيلة بنت عبد العزى، وقُتيلة هذه قيل أنها ماتت قبل الاسلام، وهي التي أنجبت له سيدنا عبدالله وسيدتنا اسماء، وهما أشقاء.. أسلما مبكرًا، وكلنا يعرف قصة السيدة أسماء ومواقفها البطولية ذات النطاقين عليها رضوان الله وقت الهجرة.
أمًا زوجته الثانية في الجاهلية فكانت حبيبة بنت زيد وكانت رضي الله عنها حاملًا لما توفى سيدنا أبي بكر وأنجبت له أم كلثوم.
أما ملامحه، فكان رضي الله عنه نحيفًا شديد النحافة، دقيق الساقين، غائر العينين، قليل لحم الجسم، ليس بالطويل ولا بالقصير، ذو لحية بيضاء كان يخضبها بالحناء، فيميل لونها إلى الأحمر، وكان شديد الوقار، له أنف عربي، مثل السيف.
وكان معروفًا قبل الاسلام بأنه لم يسجد لصنمٍ قط.
ومن ذلك كان إيمانه يعادل إيمان الأمة، لأنه آمن عن وعي، وقوة، وإيثار، وسخاء في دعم الدعوة التي أنفق فيها كامل ثروته، فقد كان قويًا في عزيمته رفض المنكرات حتى من قبل الإسلام، ماشرب خمرًا قط، وقد كان محبوبًا عند الجميع، داخل قريش وخارجها.
أكثر ما ميّز سيدنا أبي بكر في حياته أنه كان نسابة العرب، فعندما يأتيه أحد من قبيلة عربية، في قريش أو خارجها يسأله سيدنا أبوبكر : من أي قبيلة أنت؟ فما إن يجيبه، حتى يسترسل رضى الله عنه في تفاصيلها، وتاريخها، وشيوخها، وزعمائها، على مر الزمن.
ويبدو أن ذلك كان تهيئة له ليليق به حمل ما قد حمل من مهام في صدر الاسلام من صديقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان لعلمه بتاريخ القبائل وانسابها، أنه كان عندما يزور مع النبي القبائل أثناء الدعوة إلى دين الله، يقول: يا رسول الله هذه قبيلة كذا، وهذه القبيلة فيها شاعر اسمه كذا، له قيمة عندهم، وحين يتقدم رسول الله للسلام على فلان يقول له سيدنا أبو بكر ، هذا فلان، ويعرف الأسماء إلى رسول الله، وقد تحصل له ذلك من كونه نسابة العرب الخبير بشئون القبائل، فضلًا عن اشتغاله بالتجارة، التي اكسبته معرفة الكثير من بطُون العرب ومواقعها، وأقدارها.
هذه التجارة عرّفته البلاد وعرّفت به البلاد، فأينما حط، كان يُشار اليه: هذا أبوبكر، فلما بُعثَ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت ثروة سيدنا أبو بكر 40 ألف درهم، وهي تعادل اليوم قرابة 160 مليونًا، بتقدير قيمتها ذهبًا، فلما جاءت الهجرة، انخفضت إلى 5 الاف درهم، أين ذهب الفرق؟ انفقه رضي الله عنه على الدعوة الإسلامية، وفي اليوم الذي تولى فيه خلافة المسلمين، كانت ثروته صفر.
من ذلك كله، كان إيمان سيدنا أبو بكر يعدل إيمان الأمة كلها وتعد أهم صفاته أنه كانت تجمعه صداقة ومحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام، ياحظ سيدنا أبي بكر.
وتحل علينا هذه الأيام ذكرى الاسراء والمعراج، عندما جاء المشركون إلى سيدنا أبو بكر صبيحة ليلة الإسراء ليخبروه أن صاحبه يزعم أنه أسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم عاد في ذات الليلة وهم الذين يضربون إليها أكباد الإبل شهرًا ذهابا وشهرًا إيابا، وكان ظنهم أنه سيكذب صاحبه أو يشكك حتى في نسبة الكلام إليه، لكن الإجابة جاءت على غير ما توقعوه، وجاءهم بها ناصعة قوية يحملها التاريخ لكل من يأتي بَعدُ من المؤمنين لتكون لهم قاعدة وأصلا: “إن كان قال فقد صدق”.
رضي الله عن سيدنا الصديق وعلى الصحابة أجمعين.
أشرف رشاد
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق