بروفايلديوان المشاهيرقنا العاصمة

أعلام من قنا.. تعرف على سيرة العالم الجليل الشيخ توفيق البتشتي

كتب: أحمد القواسمي

تزخر محافظة قنا بالعديد من العلماء ورجال الدين الذي درسوا وتعلموا في الأزهر الشريف، ومن أبرز هؤلاء العالم الجليل الشيخ توفيق البتشتي الذي كان يتميز بصوته الجهوري وحنجرته الذهبية، هذا بالإضافة إلى تفكيره وطريقة تعبيره، وأسلوبه في عرضه للمسائل العلمية مما حبب إليه الطلاب.

”الشارع القنائي“ يستعرض في هذا التقرير سيرة العالم الجليل الشيخ توفيق البتشتي، حسب ما جاء في منشور عبر الصفحة الرسمية للإدارة المركزية لمنطقة قنا الأزهرية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.

مولده والتحاقه بالأزهر

ولد توفيق بن الحاج محمد خليفة فى مركز أبوتشت بمحافظة قنا بمصر سنة 1294هـ – سنة 1877م من أبوين عربيين ينتسبان إلى قبيلة الوشيشات إحدى القبائل العربية التى تمتد جذورها إلى قبيلة بنى هلال.

وكان أبوه الحاج محمد خليفة من الأتقياء الصالحين، صوفي خلوتي، أخذ العهد على قطب زمانه العارف بالله الشيخ أحمد الشرقاوي بنجع حمادي، وكان كريماً يؤم داره الغرباء وعابري السبيل، يصوم أكثر أيام العام، ويلازم مسجده الذي بناه بجوار بيته طول الليل راكعاً ساجداً ذاكرا ربه مستغفراً ذنبه.

وقبل ان يتم – فقيدنا – حفظ كتاب الله فى بلده أرسله والده مع أخيه الأكبر ( الشيخ محمود ) – الذي كان يطلب العلم في الأزهر الشريف سنة 1308هـ – 1890م، وكان عمره ثلاثة عشر عاما، فأكمل حفظ القرآن الكريم، وفي أثناء حفظه لكتاب الله أخذ يتلقى مبادئ العلوم الدينية والعربية.

مدرسوه

منذ استقر الشيخ توفيق البتشتى في الأزهر أخذ يتخير العلماء الأعلام يستقي من فيض علومهم، ويتحلى بكريم أخلاقهم، ويتأسى بحميد سجاياهم، فأخذ عن كثير منهم، ولكنه كان كثير التلقي عن: الشيخ أحمد الرفاعي الفيومي المتوفى سنة 1314هـ – سنة 1896م، والشيخ محمد بن سالم طموم المتوفى سنة 1314هـ – 1896م، والشيخ هارون بن عبدالرزاق البنجاوي المتوفى سنة 1334هـ – 1917م، والشيخ سليم البشري المتوفى سنة 1333هـ – 1916م، والشيخ حسونه النواوي المتوفى سنة 1343هـ – 1924م، والشيخ محمد راضي والشيخ أبوالفضل الجيزاوي والشيخ محمد حسنين العدوي وغيرهم من العلماء.

امتحانه في شهادة العالمية

تقدم الطالب توفيق البتشتى إلى لجنة الامتحان سنة 1326هـ – سنة 1908م المكونة من ستة من كبار العلماء يرأسهم شيخ الأزهر، وحددت له اللجنة اليوم الذي يمتحن فيه شفوياً، فإن تأخر عن الموعد المحدد يؤجل امتحانه إلى العام المقبل، وقبل الامتحان وصله خبر بأن والديه وأخويه مرضى فسافر ليطمئن عليهم، فوجد البلد مضروب عليها كردون عام، وصدرت التعليميات الطبية بمنع خروج المقيمين منها سواء كانوا مرضى أو أصحاء.

سمع بعض خصومه بأنه مسافر، وأنه ممنوع من الخروج من بلده فأوعزوا إلى بعض أعضاء اللجنة أن يقدموا موعد امتحانه، وكان أخوه الأصغر ( الشيخ محمد ) طالباً في الأزهر، فبلغه الخبر فاتصل ببعض أساتذة الشيخ توفيق وبعض زملائه ليحبطوا المؤامرة، وأرسل إلى أخيه يتعجل عودته، وكان الله رؤوفاً به إذ بلغه الخبر مع انفراج الأزمة، وانتهاء الحجر الصحي في وقت واحد، وسافر إلى القاهرة ودخل الامتحان في الموعد المحدد.

وكان من بين أعضاء اللجنة عالم بينه وبين الطالب خصومة شديدة، فأخذ يوجه إليه الأسئلة بشئ من العنف ولم يترك فرصة لغيره من الأعضاء ليختبروه، وظهر أنه يتحداه واستمرت المناقشة ثلاثة أيام كاملة، كانت كأنها مناظرة بين عالمين، وكان تلاميذ الطالب وزملاؤه يتكاثرون خارج اللجنة في انتظار ما تسفر عنها هذه المناظرة، فلم تجر العادة قبل ذلك أن استمر طالب يمتحن ثلاثة أيام، ولما انتهت بفوزه ونجاحه ساروا به إلى منزله بين تهليل وتكبير.

ويوم امتحن الشيخ توفيق البتشتى في شهادة العالمية كان الشيخ أحمد نصر عضو لجنة الامتحان، وجعل يفتش له بهذه الروح الأزهرية القديمة عن العميات والطلاسم، وأحس بقية أعضاء اللجنة أن زميلهم الشيخ أحمد نصر يريد أن يفترس الطالب فقاوموه، وكان أن فاز الشيخ توفيق البتشتى بشهادة العالمية، وعندئذ قال كلمته المشهورة :

( تساوت الرؤوس يا أبا نصر … أى أن كليهما أصبح عالما )

ذكر الكاتب الصحفى المرحوم محمد على غريب فى كتابه (أزهريات) يقول: (كان الشيخ توفيق البتشتي – يرحمه الله – من ذوي الأقدار الرفيعه في محيطنا الأزهري وهو من بلدة قريبة من بلدتنا ووالدي يعرفه، فهما أخوان فى الطريق الخلوتي، أبوهما الروحي فضيلة السيد الجليل أبوالوفا الشرقاوي.

تعيينه مدرساً

بعد نجاحه في شهادة العالمية عُين مدرساً بمرتب كغيره من العلماء، وازداد تعلق تلاميذه به، وكان معهم كالوالد مع أبنائه، يشتد عليهم أثناء إلقاء الدرس وشرحه، وكانت له طريقته في التدريس خاصة به، إذ كانت حصة أخر الأسبوع يخصصها لأى طالب يختاره من بين طلبة الفصل ليعتلي كرسي المدرس، ويقوم بشرح الدرس الذي كان على المدرس يشرحه، فقد كان جميع الطلبة يستذكرون الدروس كأنهم مكلفون بالتدريس.

وقال المرحوم الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد عميد كلية اللغة العربية جامعة الأزهر _ عن الشيخ توفيق البتشتي _ بأنه حين كان طالباً في القسم العالي فى الأزهر كان الشيخ توفيق البتشتى مدرساً له، قال : وكنت الأول على زملائي، وكان عدد طلبة الفصل ثلاثين طالباً، تعهدنا من السنة الأولى في القسم العالي إلى السنة الرابعة، الأول في الفصل هو الأول في السنة، والثلاثون في الفصل هو الثلاثون في السنة، وكنا نستذكر دروسنا كما يستذكرها المدرس.

كلفنى يوماً بإلقاء الدرس المقرر إلقاؤه بدلاً منه، وجلست على كرسي المدرس والشيخ توفيق البتشتى جالس مع الطلبة، ومر عليهم الشيخ عبدالحكم عطا شيخ القسم العالي، ووقف خلف الطالب يستمع إلى إلقائه وشرحه، فأعجب به، وقال الشيخ توفيق البتشتى: إنه ممتاز فرد عليه الشيخ البتشتي قائلاً: إن كل طلبتي مثله وهو أقلهم (تزكية لطلبته وإعجاباً بهم)

الدراسة في الأزهر

لم يكن التدريس فى الأزهر نظام خاص، أو شروط لقبول الطلبة، بل يدخله كل من شاء ويقيم فيه ماشاء أن يقيم، ويختلف إلى الحلقة التي يختارها لنفسه، وكل مدرس يختار كتاباً خاصاً في علم معين يقوم بتدريسه تحت عمود من عمدان الأزهر.

وكان الطالب الكفء يطلب العلم الذي يشاء على الشيخ الذي يريد، حتى إذا رأى في نفسه أنه عالم، وأنه قدير على أن يجلس تحت عمود يلقي درسه فيجتمع له الشيوخ والطلبة يشرح لهم مسائل العلم، ويتلقى منهم مناقشة لا هوادة فيها لاشفيع له إلا علمه، ولا سند له إلا لسانه الذي يبين فإن جاز الاختبار استمر في التدريس.

كان – رحمه الله الشيخ توفيق البتشتى – من هذا الطراز المتميز في تفكيره وطريقة تعبيره، وأسلوبه في عرضه للمسائل العلمية مما حبب إليه الطلاب، فزادت حلقة دروسه، وضاق المكان بالراغبين في علمه، وانفرد برقعة شاسعة من الأزهر ساعده فيها صوته الجهوري وحنجرته القوية.

صلته بتلاميذه

كان صلته بتلاميذه صلة الشيخ بمريديه، يرشدهم ويهديهم، وكثيراً ما كان يحتفل بتلاميذه إذا نال شهادة العالمية، يسافر معه إلى بلده في جمع غفير ليهنئه ويهنئ أهله، ويشاركهم فرحهم وسرورهم، وقد يحفز هذا العمل بعض الشباب الذي يعمل في الزراعة إلى أن يغير مجرى حياته من الزراعة إلى العلم.

وذكر فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ صالح شرف عضو جماعة كبار العلماء، بأن الشيخ توفيق البتشتي زار جهينة بحشد كبير احتفالاً بأحد طلبته الذين نالوا شهادة العالمية، فبهر هذا الاحتفال شاباً في سن الثامنة عشرة يعمل في الزراعة، وقال لنفسه: إننى لو انتسبت إلى الأزهر وحصلت على العالمية سيحتفل بي الشيخ توفيق مثل هذا الاحتفال، وترك الشاب زراعته وانتسب إلى الأزهر ونال ( الشيخ عزوز الجهني ) العالمية من الأزهر بسبب هذا الاحتفال.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق