أعلام من قنا| الشيخ محمد زكي الدين الذي أختير مستشارا لشيخ الأزهر
كتب: أحمد القواسمي
تزخر محافظة قنا بالعديد من العلماء ورجال الدين، ومن أبرز هؤلاء العالم الجليل الشيخ محمد زكي الدين أبو القاسم الحجازي، الذي كان شيخنا مصلحا اجتماعيا مرموقا.
”الشارع القنائي“ يستعرض سيرة العالم الجليل الشيخ محمد زكي الدين أبو القاسم الحجازي، ابن محافظة قنا، حسب ما جاء في منشور عبر الصفحة الرسمية للإدارة المركزية لمنطقة قنا الأزهرية.
مولده ونشأته
ولد الشيخ محمد زكي الدين في أحد بيوتات التربية والعلم في صعيد مصر بقرية حجازة بمحافظة قنا في عام 1933م، فهو ابن العالم العلامة العارف بالله سيدي الشيخ محمد أبوالقاسم – من ديار حرب بالمسيجيد – منطقة المدينة المنورة.
وقد هيأ الله له بفضله تعالى من أسباب التحصيل ونماذج الاقتداء في حياته ما أهَّله لما أقامه فيه، وبرأه من التعصب لقول أو رأي أو فعل لا ينصره الدليل، بما يسَّره له من تعرف علي جملة مذاهب أهل السنة في الفقه والنظر والسلوك، مع الاحتكاك المباشر بها في مراحل الدراسة والعمل؛ فقد نشأ في حضن أسرة شافعية، وتلقى المذهب الحنفي في دراسته بالأزهر، وعاش بين الليبيين المالكية سنوات عدة، وتعرف على المذهب الحنبلي في فترة اقامته بالكويت وزياراته المتكررة إلى أرض الحجاز؛ ولهذا كتب الشيخ معبرًا عن تعلقه بالأئمة الأربعة في مذاهبهم الفقهية كتابه “رجال ومناهج في الفقه الإسلامي”.
مؤهلاته العلمية وحياته العملية
تخرج الشيخ وحصل على شهادة العالية في كلية أصول الدين، ثم حصل على شهادة العالمية (شهادة الدكتوراه الأستاذية من جامعة الأزهر) مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية عام 1959م.
وبدأ الشيخ حياته العملية خطيبًا وإمام مسجد، ثم رقي في مناصب العمل بوزارة الأوقاف حتى انتهى إلى سدة إدارة الأوقاف بمحافظة البحر الأحمر، وأسند إليه مع ذلك الإشراف على المعاهد الأزهرية بالبحر الأحمر بقرار خاص من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر الشريف.
وباشر العمل الدعوي عبر وسائله المختلفة عبر منابر المساجد وحلقات دروسها، وقد طاف الشيخ في قوافل الدعوة فسافر إلى كثير من الدول العربية والإسلامية والأوربية يدعو إلى الله على بصيرة من أمره، بالسودان وليبيا والسعودية والكويت، ثم زار بلادًا في شرق العالم وغربه المتطور، فعايش أحوال المسلمين في بلادهم، ورأى عن كثب أحوالهم بعيدًا عن أرض الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، ولعل هذا ما يميز فتاواه التي ضمنها كتاب “مسائل وقضايا”.
وكان له مقال أسبوعي في جريدة الأنباء الكويتية، وإسهام ظاهر في الكثير من الصحف والمجلات؛ مثل: الوعي الإسلامي، والوطن، والقبس، والرأي العام، والسياسة (الكويتية)، ومن خلال برامج الإذاعة المسموعة والمرئية بعدد وافر من الحلقات والبرامج المنتظمة في ليبيا، حيث أسند إليه مسئولية الإشراف على قسم البحوث والدراسات الإسلامية بإذاعة القرآن الكريم، بالإضافة إلى عمله بالهيئة العامة للأوقاف، ثم بالإرشاد الديني والاجتماعي بالحرس الجمهوري (من عام 1973 إلى 1977م)، وقد تحول بعض هذه البرامج إلى كتب منشورة، مثل كتابه الكبير “هذا القرآن، فأين منه المسلمون” الذي ترجمه إلى اللغة الأردية الشيخ عبد الجبار بن عبد الغني السلفي.
وذهب الشيخ إلى الكويت (من عام 1982 إلى 1990م) خطيبًا وإمامًا، وهناك شارك في أعمال الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف، وقاموس القرآن الكريم بمؤسسة التقدم العلمي، واختير عضوًا بهيئة الإفتاء، وعدد من لجان وزارة الأوقاف، مثل: لجنة تطوير المساجد، ولجنة مراقبة المطبوعات، ولجنة تعديل النظام الأساسي للعاملين بالأوقاف، واختيار المرشدين لحملات الحج، واختيار الأئمة والخطباء والمؤذنين والمدرسين، وشارك أيضًا في إعداد وتقديم البرامج الوثائقية في الإذاعتين المرئية والمسموعة، خاصة في إذاعة القرآن الكريم التي عرض أكثرها في اتحاد الإذاعات الإسلامية بالسعودية، وغيرها من بلاد الخليج العربي.
وكان للشيخ لقاء ثقافي يتجدد في المركز الإسلامي أوائل الثمانينات من القرن الماضي، يتناول فيه القضايا الثقافية والدينية التي تثار، كما أسهم بكثير من المقالات الهادفة في الصحف والمجلات العلمية والدينية، وأختير عضواً بلجنة الفتوي من عام 1988م، إلى عام 1990م وكان مرجعا لكثير من الفتاوى، وخاصة علم الفرائض، وتم اختياره مستشارا للإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لشئون الدعوة، وكان له دور فعال في تقريب وجهات النظر بين المتنازعين في مسجد النور بالعباسية أثناء ثورة ٢٥ يناير عام ٢٠١١ م بالإضافة لإسهاماته الفعالة في إصلاح ذات البين بين العائلات المتخاصمة، وإنهاء العديد من الخصومات الثأرية في صعيد مصر من خلال عضويته ورئاسته لعشرات لجان الصلح فقد كان شيخنا مصلحا اجتماعيا مرموقا.
مؤلفاته
للشيخ عشرات الكتب والمؤلفات الدعوية الجادة، مثل: كتاب “الإسلام والفطرة”، وكتاب “المسئولية في الإسلام”، وكتاب “مسئولية الجماعة في الإسلام”، وكتاب “في عالم القيم مع الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم” وكتاب “الدعوة إلى الله فقها ومنهجا” وكتاب “رجال ومناهج في الفقه الإسلامي ” وكتاب ” هذا القرآن، فأين منه المسلمون ” الذي ترجمه إلى اللغة الأردية الشيخ عبد الجبار بن عبد الغني، وتتبع ظاهر لما يقوم به خصوم الدعوة عبَّر عنه في كتاب “الإسلام والمؤامرات اليهودية”، وكتاب “الماسونية بين الحقيقة والشعارات”.
وله مشاركة في التحقيق العلمي الرصين، تجلت في تحقيق “صحيح البخاري” وترقيمه وفهرسته، ومن أهم أعماله إخراجه لفكرة صباه في خدمة القرآن الكريم “مصحف التهجد” بأحجامه المتنوعة، بالإضافة للعمل الموسوعي الكبير في خدمة السنة النبوية “جامع البيان لما اتفق عليه الشيخان” والذي جاء في خمسة عشر مجلد، وغير ذلك من الكتب والمصنفات الدينية.
وفاته
انتقل الشيخ محمد زكي الدين أبو القاسم إلى رحمة ربه صباح يوم الأربعاء الموافق ١٥ يناير ٢٠٢٠م بعد حياة حافلة بالخير والعطاء.