بروفايلديوان المشاهير

الأسرة الدندراوية أنثروبولوجيًا (2) 

قراءة في شخصية زعيمها الشاب "الأمير " هاشم الدندراوي

الشارع القنائي

كنتُ قبل سنوات قد تعاقدتُ مع قناة الجزيرة على الكتابة لمنصتها الاليكترونية، قبل أن أتوقف بعد عامين عن الكتابة فيها أثناء التوتر الذي نشب في العلاقات السياسية بين “الدوحة” و”القاهرة”.

وفي غرة تلك المقالات كتبتُ عن “إمارة الدندراوية” في صعيد مصر، وهو المقال الذي قيل لي وقتها من الزملاء في قناة الجزيرة أنه جذب انتباه أحد أفراد العائلة الحاكمة أن اكتشف أن بمصر “إمارة”، و أن لها “أمير” و “شعب”، فترك ذلك المقال شغفًًا وطلبًا لمعرفة المزيد عن أولئك الذين ينطوون تحت لواء تلك الأمارة في صعيد مصر، عن “الأمير” هاشم الذي أشرت إلى أنه في تقليده الإمارة قد بويع من شعبها، أن يكون أميرهم الذي يتولي شئونهم.

المقال وقتها جذب انتباه عدد كبير من جمهور قناة الجزيرة وحاز قراءات عالية جدًا على موقعها -مازال متاحًا للقراءة على الجزيرة- غير أن القناة طلب وقتها قراءة أوسع عن تلك الإمارة (الغريبة) في مصر، الدولة التي يخضع حكمها لنظام جمهوري، فكيف يكون بها إذن “إمارة” و “أمير” يعتلي منصبه بنظام البيعة..؟!

وهو ما طلبت القناة على خلفيته مشروعًا بحثيًا شاملًا في شكل دراسة انثروبولوجية، خُطط لها أن تتحول إلى فيلم وثائقي، يمكن بثّه على الجزيرة الوثائقية، وهو المشروع الذي لم يْكتب له الإنجاز، إذ قررت أنا بعدها التوقف عن الكتابة لـ”الجزيرة” عقب الخلافات السياسية التي نشبت بين نظامي الحكم في(القاهرة) و(الدوحة).

 

بعدها بأعوام التقيت “الأمير” هاشم عقب دعوة وجهتها لي الأسرة الدندراوية من الصديق الكاتب الصحفي الكبير الراحل الدكتور هاني رسلان رئيس مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية، والذي دعاني إلى فعاليات مؤتمر مركز دندرة الثقافي، مع كوكبة من كبار الصحفيين المصريين ضمت الإعلامي الكبير عبداللطيف المناوي، والكُتّاب الصحفيين؛ ابراهيم داود وابراهيم منصور، وبعض الشخصيات البارزة في غرفة التجارة المصرية الأمريكية، و الصديق الاذاعي علاء أبوزيد، والكاتب الصحفي كمال حبيب المتخصص في الحركات الإسلامية، والكاتب الصحفي المؤرخ اللامع سعيد الشحات، والمفكر السياسي عمرو الشبكي رئيس تحرير مجلة أحوال مصرية.

حينها.. جمعتنا جلسة نقاشية غير رسمية في (شعبة النور) المكان الذي يحظى بقدسية خاصة عند أبناء الأسرة الدندراوية، في قلعتهم الشهيرة على الضفة الغربية من النيل في قنا العاصمة.

 

اللقاء استمر لأكثر من 3 ساعات وكان فرصة حقيقية أن أستمع واتناقش مع “الأمير” هاشم، خريج الجامعة الأمريكية الذي تهتز من تحته الأرض بين أنصاره في ذلك الجمع المهيب إن تحرك، أو أومأ بإشارة منه إلى أيّ منهم أولئك الذين يترقبون أوامره من مجرد إشارة بطرف عينيه، شاب وسيم الطلعة، تحققت له كافة مظاهر الزعامة عند أتباعه في هذا الكيان الكبير الذي ينطوي تحت لواءه عدة ملايين من أبناء الآسرة الدندراوية، مثقف، يتحدث أكثر من لغة، واثق من نفسه، يمتلك أدواته في الحديث، وكل كلمة تخرج منه، تحسّها قد قطعت شوطًا من التفكير قبل أن تعزفها شفتيه، يلقي بالكلمة في موضعها، دقيق في مفرداته، يحفظ أبعادها، ويرصّها إلى جوار رصًا محكم البناء، فلا تخرج منه عبارة واحدة في غير سياقها الذي ينساب في مسارات لا تحيد عن جوهر النقاش.

للأمانة كنتُ أفتش في أغوار شخصيّته، بينما هو يصب كلماته باقتدار، فأمسك بالعبارة منه، أرسلها إلى معامل الاختبار في رأسي، أن تخفي بداخلها عكس ما يبدو منها، فلا أجدها إلا معبّرة بحق عمّا يريد قوله، لا يراوغ في الحديث، ولا يتهرب من الإجابة، برغم ما أطلقته بوجهه من أسئلة شديدة الحساسية، عنه وعن الأسرة الدندراوية، وعن تاريخها، وحاضرها، وعن ذلك المزج المثير الذي ظهر في فعالياتها مؤخرًا بين نهجها الروحي التقليدي، والمعاصرة التي بدأ “الأمير” هاشم ينثرها على الأسرة الدندراوية، حتى أنني، فاجأته بسؤال: كيف لجماعة دينية، أن يقوم شيخها بتربية الكلاب، بل ويمتلك أكبر وأهم وأغلى فندق للكلاب في الشرق الأوسط وافريقيا؟!

كنت أتوقع أن يكون سؤالي مربكًا له، وهو الذي يتقلد منصبًا روحيًا مهيبًا عند أتباعه، جماهير الأسرة الدندراوية، فإذا به يدلف إلى الموضوع بثقة واقتدار: ” هذا بيزنس، بل وهو البيزنس المحبب إلى قلبي، أن جعلتُ من هوايتي في تربية والعناية بالكلاب، مشروعًا استثماريًا يعود علينا بكثير من الأرباح”.

وأشار إن انتاج مزرعة الكلاب خاصته، هو الأعلى قيمة و الأرفع مكانة في كثير من أسواق الكلاب، في العالم، حتى أن شرطة (اسكوتلنديارد) في بريطانيا وهي الأعرق في مجالها بين الكثير من قريناتها في دول العالم المختلفة، تستعين في عملها بكلاب من مزرعته، كونها الأنقى سلالة والأعلى تدريبًا وكفاءة.

أكثر ما شد انتباهي في أيامنا الثلاثة التي قضيناها وزملائي الاعلاميين والصحفيين أن “الأمير” هاشم لم يظهر فيها درويشًا، أو شيخًا أو خطيبًا متصوّفًا، بل كان المثقف، التنويري، الذي يسعى إلى تدعيم الأسرة الدندراوية بأدوات العصر، من تقنية، وعلوم حديثة، ونسق حضاري في منصة الندوات، لا ينسلخ فيه عن تراث المنطقة ولا عن تاريخها، وثقافتها، بل على العكس، نجح في صياغة مزج مبهر من الأصالة والمعاصرة معًا، في رؤية حداثية للتصوّف، بعيدًا عن الضلالات التي ضربت الكثير من الكيانات الصوفية من حوله في جنوب الصعيد، حتى غرقت في جهالات الدجل والشعوذة، ومن ذلك كانت الأسرة الدندراوية وما تزال استثنائية، في الخطاب الصوفي بمصر.

في الحلقة القادمة

♦️كيف أثّرت الأسرة الدندراوية وأميرها المثقف في محيطها الجغرافي سلبًا و إيجابا؟.

♦️وهل تناسب الأثر مع حجم ونوعية وعناوين الندوات والمؤتمرات التي يعقدها “الدندراوي” كل عام؟.

♦️ما صحة الاتهامات التي طالت الأسرة الدندراوية، في تمددها الناعم بمجتمع الصعيد من أنها جزء من مشروع أيدولوجي وسياسي غامض متعدد الأساليب والغايات؟!

وفي مسار الدراسة؛ مصادر تمويل الأسرة الدندراوية، و حقيقة ملكية اميرها الراحل لفكرة إنشاء انبوب يمثل قناة سويس موازية في نقل البترول من البحر الأحمر إلى المتوسط واستولى عليه سامح فهمي أشهر وزير مصري في قطاع البترول.

 

✍️/ عبده مغربي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق