النص الكامل لـكلمة مركز دندرة الثقافي في منتدى فبراير 2023م.. قبول الآخر المختلف
متابعة: عبد الرحمن الصافي
ينشر “الشارع القنائي”، النص الكامل لكلمة مركز دندرة الثقافي، في منتدى دندرة الثقافي فبراير 2023 م، بعنوان (قبول الآخر المختلف)
وجاء نص الكلمة كالتالي:
“بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ والصلاةِ والسلامِ على أكرمِ المُرسلين، نيابةً عن رئيسِ مركزِ دندرة الثقافي، الأمير هاشم الدندراوي، الذي يتابعُ أعمالَنا عبر التواصلِ المرئي باهتمام، نُرحبُ بكم بديارِ الأسرةِ الدندراويةِ ، في دندرةِ العامرةِ ، للمشاركةِ في النسخةِ الثامنةِ من المنتدى الثقافي لمركزِ دندرة بعنوان “قبولُ الآخرِ المختلف.”
الحضورُ الكرام، وقبلَ أن ننتقلَ لمحاورِ المنتدى، أشارِكُكم بعض الأفكارِ المُوجَزة ، التي قد تحتوي على ما يمكن تضمينه في العصفِ الذهني ، الذي نتطلعُ أن يَنتجَ عن حوارِنا على مدارِ اليوم.
كلُنا الآخرُ في أعينِ الغير، وكلُنا مُختلفٌ في أعينِ الآخر، فلعلَ ما يوحِّدنا ليسَ أن بعضَنا يشبهُ البعض، ولكنَنا جميعًا نختلفُ عن بعض، سواءً على مستوى الأفرادِ أو المجتمعات، لذلك ؛ إن كنتَ تُحبُ أن تُعامَلَ باحترامٍ، فعليكَ أن تُبادرَ باحترامِ الغير، وإن كنتَ تُريدُ أن تُقبلَ بعاداتِكَ وتقاليدِكَ، فعليكَ أن تقبلَ الآخرِ بعاداتِه وتقاليدِه، وإن كنتَ ترغبُ في الحفاظِ على هُويتِكَ، فعليكَ أن تكُفَ عن الهدمِ في هُويةِ الغير، ما لم يكن معاديًا لك.
ومن هذا المنظورِ ؛ علينا أن نُقِرَ بواقعٍ عادةً نغفلُ عنه، ألا وهوَ ؛ أن احترامَ الآخرِ المختلفِ هو في واقعِ الأمرِ حمايةً لِهُويتي وتكويني ومُعتقداتي، ولنتذكرْ هُنا مقولةً “أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثورُ الأبيض”، وهي العبارةُ الختامية ، في قصةٍ قصيرةٍ وشهيرةٍ تعددتْ رِواياتُها، وأساسُها ثلاثةُ ثيران ، أحدهم أبيض ، والثاني أحمر ، والثالث أسود، وضبعٌ يسعى لافتراسِهم ولكنه لا يستطيع طالما اتحدوا، فيُقنَعُ الثاني والثالث بأن اللونَ الأبيضَ واضح ليلًا ، فإذا تخلا عنه لن يهاجمَهما بعد ذلك، وبعدَ افتراسِه للثورِ الأبيض، يُقنَعُ الأسودُ ، بأن اللونَ الأحمرَ واضح نهارًا، وإذا تخلى عنه سيعيشُ في سلام. وبعد أن اُفتُرِسَ الأحمر ، يأتي بثقةٍ المنتصرُ لالتهامِ الأسودِ الذي يقفُ وحيدًا ضعيفًا فيقولُ الثورُ الأسودُ مقولتَه الشهيرة “أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثورُ الأبيض.”
ونُضيفُ أن الثقافاتِ القويةِ، والهُوياتِ الثابتةِ، هي عادةً ؛ التي لا تخشى الآخر ، وتتعاملُ معه من منظورِ الثقةِ والانفتاح، أما تلك المُنغلقةُ على نفسِها ، فهي التي عادةً ؛ تتسمُ بالهشاشةِ والضعفِ والتي يترعرعُ فيها وبسهولةٍ الخوف ، مما هو مختلفٌ على أساسِ جهلٍ وقلةٍ في التعليم. قبولُ الآخرِ، تأصلَ في مصر على وجهِ الخصوصِ وعلى مدارِ عصورِ التاريخ ، نتيجةً لطبيعتِها الجغرافيةِ والاجتماعيةِ المُنفتحة على محيطِها الإقليمي شرقًا وغربًا، جنوبًا وشمالًا، فانصهرت فيها الثقافاتُ والأعراقُ واللغات، ونتجَ عن ذلك مزيجٌ خاصٌ وموحد ، تشكلَ من خلالِه الهُويةِ المصريةِ التي نعرفُها اليوم، ولا نُجمّل التاريخ، فبعضُ هذه التفاعلاتِ مع الآخرِ اتسمت بالعنف، وبعضُها رفضَه المجتمع لعداوتِه الصارخة، ولكن الغالبيةَ العظمى تغلغلَ في المجتمعِ القائم ، فأضافَ له و استأنسَ به وسارَ بمرورِ العقود جزأً لا يتجزأ منه، وفي ذلك عِبرة ، أن قبولَ الأخرِ يأتي بفوائدِه على المجتمعِ ككل، أما الانغلاق والرفض المُطلق ، يؤدي تدريجيًا إلى تحجرِ الفكرِ وتراجعِ الأمة.
الحضورُ الكرام،
مفهومُ الآخرِ شيءٌ نسبي، يزدادُ كلما اتسعت دائرةُ التقييم، وتغير وفقًا للمعاييرِ المستخدمة، واختلفَ مع طبيعةِ الموضوعات، وتفاوتَ مع مرورِ الوقت ، ولو على أساسِ العِرق شئ، ولو على أساسِ الدينِ شيء، ولو على أساسِ الجغرفيا شيء، ولو على أساسِ الجنسيةِ شيء، ولو على أساسِ النوعِ أو السنِ أو التعليمِ شيء، أو الفترةِ الزمنيةِ شيء. فعلى سبيلِ التبسيط ، رجلٌ مسلمٌ من أقصى الجنوب ، قد يجدُ مسافةَ الاختلافِ مع رجلٍ مسيحيٍ من أقصى الشمال ، أقربُ من تلكَ التي بينه وبين زوجته ، إذا كان الموضوعُ محل النقاشِ مباراةَ كرة قدم، وطبيبٌ من أقصى الغربِ قد يجدُ نفسَه أقربَ لطبيبٍ من أقصى الشرق عما هو إلى جارِه عند تناولِ الموضوعاتِ العلميةِ المهنية، ومُسنٌ فِرنسي قد يكونُ الآن – وبالرغمِ من عداوةٍ سابقةٍ – أقرب لمُسنٍ ألماني لمعاصرتِهما الحرب العالمية الثانية ، بتجاربِها المُشتركة عما هو إلى حفيدِه الذي يعيشُ حياتَه من خلالِ هاتِفِه الذي يحمِلُهُ في جيبِه.
لعلَ المشكلةَ تكمنُ حينما يختلطُ الأمرُ على البعض ، بين قبولِ الآخر ، وتبني معتقداتُه أو هُويتُه، ونُشيرُ هنا إلى أن الفارقَ بين الأمرينِ واضحٌ وصريح، وأن احترامَ الآخرِ وقبولَه لا يعني التشبُه به أو الإيمانِ بما يؤمنُ به، وإنما يجبُ تناولُ هذا التفاعل من منظورِ الاستفادةِ المشتركةِ والاحترامِ المتبادل، فهُوية الآخرِ سأجدُ فيها ما قد يُضيفُ لي من علمٍ أو فهمٍ أو منظور، مثلما قد أجدُ لديِه ما لا يتماشى معي من سلوكٍ أو تصرفٍ أو مُعتقد، أستفيدُ من نقاطِ التلاقي ، وأحترمُ مسافاتِ الاختلافِ دون الاقتباس. وبذلك ؛ أحافظُ على تكويني ، مع إثرائي لفكري وثقافتي.
مُجملُ الحديث ؛ أننا جميعًا مختلفون ، وجميعًا ينطبقُ علينا توصيفُ الآخرِ ، فقبولُ الآخرِ ليست رفاهية، بل ضرورة إنسانية لكل مجتمعٍ يسعى للتطورِ والازدهارِ والنمو، وأقصرِ الطرقِ للحصولِ على احترامِ الآخرِ وحمايةِ هويتكَ هو المبادرة باحترامِ اختلافات الغير.
ولذا ؛ وجب التنويه – وكي لا يُفهمَ الكلامُ في غيرِ محله – بأن هذا لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال ، الانصياع وراءَ من يسعى لفرضِ اختلافِه عليَّ بالقوةِ أو بالإكراه، فهذا ليس موضوعُ نِقاشَنا اليوم ، ويندرجُ تحت الصراعاتِ والمنازعاتِ بل الحروبِ والغزوِ الثقافيِ بمختلفِ أشكاله.
أنتقلُ معكم الآن للاستماعِ باهتمام لكلماتِ ضيوفِ المنتدى الكرام، ولأوراقِ العملِ المُقدمة التي تتعمقُ في تناولِها لحقوقِ الأخر، وثقافةِ القبول، وتأثيرِ كلًا من التفاعلِ الإيجابي، والتفاعلِ السلبي مع الآخر، على المجتمعِ ككل. كذلك تتناولُ الكلماتُ منظورَ الفكرِ الدندراوي في التفاعلِ مع الآخر، والذي يضربُ مثلًا – من خلالِ تطبيقِه العملي في محيطِه المجتمعي عبر الأقطارِ وثقتِه في تكوينِه المحمدي مع اختلافِ البلدانِ والخلفيات – في التفاعلِ الإيجابي مع الآخرِ المختلف بكاملِ الاحترامِ، وقبولِه له بالحسنى مع الحفاظِ على الثوابتِ الفكريةِ الراسخةِ المتأصلةِ في الفكرِ الدندراوي ، عبر ما يزيدُ عن قرنٍ من الزمان. كذلك نستمعُ سوياً لعرضِ شخصيةِ المنتدى الثامن، أميرُ الشعراءِ أحمد شوقي، وما يمكنُ استخلاصه من خلفيتِه وجزورِهِ ونشأتِه وتعليمِه وسفرِه اتصالًا بالموضوعِ محل النقاش، وكيف ساهمَ استعداده للتفاعلِ الإيجابي مع الآخر في إثراءِ فكرِه وتطوير علمِه وبلورةِ مدرسةِ شعرِه المرموقة.
واختتمت الكلمة التي جاءت عبر مركزة دندرة الثقافي: “مع خالصِ تمنياتي بالتوفيقِ والسلام ، وتحياتي لكم جميعًا ولضيوفِ المنتدى الكرام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
وكان مركز دندرة الثقافي، وجه دعوة عبر صفحته الرسمية، لحضور منتدى دندرة الثقافي (8)، ثقافة الجنوب أصالة وإبداع متجدد بعنوان (قبول الآخر المختلف)، لليوم السبت، والذي يهدف إلى ترسيخ دعائم التراث الثقافي لجنوب مصر وإبراز طاقاته الإبداعية تحقيقا لتنمية ثقافية شاملة.