إبداعمصانعنا ومزارعنانقادة

الأديب والباحث “الطيب أديب” متحدثا عن حضارة نقادة

في لقاء تلفزيوني يحكي عن حرفة الفركة الفرعونية

الشارع القنائي

استقبل الأديب الروائي والباحث في مجال التراث، “الطيب أديب”,  في منزله ببلدة كوم الضبع بمركز نقادة أسرة برنامج “من قلب الصعيد” بقناة صدى البلد2 وحاورته المذيعة “أنوار مطاوع” مقدمة البرنامج حول تاريخ مدينة نقادة وأهم آثارها وحرفها التراثية الفرعونية الأصل.

قال “أديب” : نقادة أحد مراكز محافظة قنا ،وتقع نقادة في منتصف المسافة بين قنا شمالا والأقصر جنوبا ،ويحدها نهر النيل الذي يفصلها عن مدينة قوص في الشرق وهضبة طيبة في الغرب وتبعد عن القاهرة جنوبا نحو 640 كيلومترا .وأشار الكاتب والباحث الطيب أديب إلى أن نقادة تغير اسمها على مر العصور فاسمها الفرعوني “نوبت” ويعني مدينة الذهب، وسميت في العصر القبطي “نيكاداي ” و “ناكاتي” ويعني مدينة الفهم والمعرفة، وسماها العرب ‘نجادة” من النجدة والإنقاذ ،وأخيرا تحرف الاسم إلى “نقادة”.

وعن تاريخ نقادة أشار “أديب” أن نقادة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، فهي أقدم حضارات البشرية إذ عاش المصري القديم في الصحراء في بيئة بدائية قاسية في العصر الحجري القديم حتى انتقل للعصر الحجري الوسيط ثم الحجري الحديث ثم العصر النحاسي. وعندما حلت فترات الجفاف هبط المصري القديم من الصحراء للوادي والدلتا حيث نهر النيل فعرف مهنة الزراعة التي مكنته من الاستقرار فبدأ يبني بيوت وتجمعات سكانية، ويصنع آلاته للحرث والحصاد. وعرف التقسيم الإداري والتجارة والسياسة والاقتصاد الخ.وقسم باحثو المصريات حضارة نقادة التي بدأت منذ 4000 / 3000 سنة قبل الميلاد.وحضارة نقادة تلت حضارة البداري وقسمها المؤرخون إلى ثلاث فترات: نقادة الأولى والثانية والثالثة. وأبرز ما ميزها صناعة الأواني الفخارية بألوانها وأشكالها المختلفة،والتماثيل الطينية وأدوات المطبخ القديم والسكاكين والفؤوس وأدوات الزراعة وأدوات الزينة .


وأوضح “أديب” إلى أن حضارة نقادة امتدت إلى مصر الوسطى وتوغلت شمالا حتى المعادي، وجنوبا حتى بلاد النوبة وعمق القارة الأفريقية وبلاد الشام. وبعد قيام الأثريين بالحفائر عثر عالم المصريات الأثري الألماني “فلندرز بتري” على آلاف المقابر في صحراء نقادة وأدوات فخارية وتماثيل وأدوات زينة وبعضها محفوظ في متحف اللوفر بباريس والمتحف المصري وغيرهما من المتاحف العالمية.

وعن أهم آثار نقادة القديمة قال أديب: يوجد بصحراء نقادة كثير من المقابر المعروفة بطواقي فرعون في بلدة كوم بلال وبامتداد صحراء نقادة الغربية.
وتوجد بقايا قاعدة هرمية لمقبرة ملكية، سماها سكان المنطقة ب” هرم جرن الشعير المسخوط”، وربما بنيت لتخليذ ذكرى أحد ملوك الأسرة الأولى التي أسسها الملك مينا أو نعرمر سنة 3200 قبل الميلاد.وقال المؤرخون ومنهم “هيردوت” و”مانيتون” -قديما – و”فلندرز بتري” -حديثا- بأن الملك “نعرمر” هو نفسه “مينا” موحد القطرين ومؤسس أول أسرة فرعونية. وقد تزوج موحد القطرين من الأميرة “نيت حوتب” ابنة حاكم نقادة”وبنا لها مقبرة لتخليد ذكراها في صحراء نقادة واكتشفها عالم الآثار الفرنسي “جاك دي مورغان” عام 1897م .

وقيل بأن مينا بنا لها مقبرة أخرى في أبيدوس.
وأما معبد “أمبوس” فحدده الأثري “جيمس بيكي” في كتابه “الآثار المصرية في وادي النيل” بأنه يقع في نجع” الشيخ علي” شمال مدينة نقادة ، وبني لعبادة “ست” معبود المنطقة. وبنا فيه بعض ملوك الدولة الحديثة التي استقرت في طيبة “الأقصر ” حتشبسوت وتحتمس الثالث ورمسيس الثاني بعض المباني تقربا لمعبود المنطقة “ست” الذي يرمز للعنف والعواصف والعالم السفلي.

وعن أهم الحرف التي اشتهرت بها نقادة قال الكاتب والباحث الطيب أديب : اشتهرت نقادة بحرف تراثية لازالت قائمة حتى الآن ومنها صناعة الفخار، وصناعة الكراسي والأسرة والأقفاص المصنوعة من جريد النخيل. وأبراش وسلال الخوص .وحرفة تصنيع الحصر من نبات الحلفا . وتعد صناعة الفركة (بكسر الفاء) أهم الحرف التي ارتبط اسمها باسم نقادة منذ العصر الفرعوني. والفركة هي منسوجات كانت تصنع من الحرير والكتان ثم صنعت في العصر الحديث من خيوط القطن المصري وخيوط “الفبران”، وتمر صناعتها بمراحل عديدة ومنها صباغة الخيوط بالألوان جمعها على دواليب يدوية وصفها على النول بطريقة هندسية بديعة. وفي النول القديم كان صانع الفركة “النوال “يجلس أعلى الحفرة محتضنا نوله وهو يمد قدميه أسفل الحفرة يحرك الجزء السفلي من النول، ويستخدم كلتا يديه في عملية شد المضرب وضم الخيوط لبعضها ويضرب المكوك يمنة ويسارا حتى ينتهي من تصنيع الملاية ويقطعها ويبدأ في تصنيع غيرها. وانتشر النول اليدوي الفرعوني المنشأ في مدينة نقادة وقراها المجاورة كقرية الخطارة وكوم الضبع التي عرف سكانها أسرار المهنة وأقاموا لها قاعات النوال في بيوتهم. فتحولت البيوت لمصانع صغيرة يعمل فيها الرجال والشباب تساعدهن النساء في تجميع الخيوط على الدواليب اليدوية بعد صبغها. و كل أسبوع يجمع صاحب النول ملايات الفركة الزاهية ويسلمها لكبير التجار في مدينة نقادة الذي يختم طرودها ويشحنها للخرطوم عاصمة السودان ،ومنها تصل لنيروبي وأديس أبابا ومقديشيو وغيرها لأن فركة نقادة اشتهرت عند الأفارقة بجودتها، وأنها تجلب الحظ والبركة في البيوت فكانت العروس الافريقية تشترط عددا من ملايات الفركة النقادية عند زواجها. وعندما تخرج من بيتها تتباهى وهي تلفها حول جسدها ليعطيها قدرا من الحشمة والوقار .وكانت تستخدم أيضا في حفلات طهور الأطفال.وكانت فركة نقادة في عصرها الذهبي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تدر على نقادة مايقرب من أربعة ملايين دولار.


وعندما هاجر بعض شباب نقادة للسودان وسكنوا مدينة “أم درمان” أنشوا أنوال الفركة ،وهناك أقبل أهل أم درمان على تعلم الحرفة، فانتجوا أشكالا وأحجاما عرفت بالفركة “الدرماني” أو” الدرمنلي” نسبة إلى أم مدينة درمان.

وعن تدهور صناعة الفركة وغلق أنوالها قال أديب: نظرا للظروف السياسية والاقتصادية وعدم تمكن تجار الفركة من الوصول للأسواق الأفريقية أغلق أصحاب الأنوال مصانعهم الصغيرة وغيروا النشاط وسافر بعضهم للخارج .

ولكن عميد صناع الفركة في مدينة نقادة الراحل” شمروخ مقار،” لم يترك مهنة أجداده وحكي لي أنه استغل علاقاته الواسعة وحمل معه مجسم صغير للنول اليدوي ومعه عدد من ملايات الفركة وراح يتنقل بين العواصم الأوربية والأسيوية في باريس ومدريد وبكين ونيودلهي وغيرها باحثا عن مستهلك جديد فأعجبهم النول اليدوي ومنتج المنسوجات الفرعوني، وطلبوا منه تصنيع أشكال وأحجام وألوان جديدة تناسب ذوق المستهلك الجديد ،ومن هنا بدأ عم شمروخ يعلم عينة من شباب نقادة كيفية تصنيع الفركة -الحداثية- الجديدة فصنعوا ستائر وكوفيات ومفارش وتحجيبات والشال الرجالي وغير ذلك.

وعادت بعض الأنوال تنتج الفركة السياحي التي يبيعها الصناع في المدن السياحية كالغردقة والأقصر وأسوان، إلى جانب المعارض الدولية بالقاهرة، وأقبل عليها المستهلك المصري أيضا.وبدأت بعض المنظمات المانحة والجمعيات والمؤسسات الأهلية في دعم وتدريب صناع الفركة وتسويقها عالميا.ولكن الصناعة واجهت تحدي جديد بغزو الخيوط الهندية والصينية بل ومنتجات الفركة الأسيوية الجاهزة والتي لاتصل جودتها للمنتج المصري الذي انتشر خارج نقادة في عدة مدن و محافظات مصرية.


وطالب الباحث الطيب أديب بالقاء الضوء حول حضارة نقادة وتدريسها للطلاب وإقامة كلية أو معهد للآثار في صحراء نقادة لتدريس حضارة فترة ماقبل التاريخ . كما طالب بمزيد من الاهتمام لدعم أصحاب الحرف التراثية لتشجيعهم على الاستمرارية في التصنيع.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق