أعلام من قنا| الشيخ أبو الوفا الشرقاوي رائد الكفاح ضد بريطانيا بصعيد مصر
كتب: أحمد القواسمي
تزخر محافظة قنا بالعديد من العلماء ورجال الدين، ومن أبرز هؤلاء الإمام العارف بالله الصوفي الزاهد الشيخ أحمد أبو الوفا الشرقاوي ابن الإمام قدوة المحققين والشاعر الصوفي سيدي أحمد بن شرقاوي بن مساعد بن تائب بن خلف بن يوسف بن عبدا لسلام بن جامع ويمتد نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
”الشارع القنائي“ يستعرض في هذا التقرير سيرة الإمام العارف بالله الشيخ أبوالوفا الشرقاوي
ميلاده
ولد الشيخ أبوالوفا الشرقاوي في مايو 1879م الموافق السابع عشر من جمادي الآخرة عام 1296هـ، أطلق عليه مريدوه ألقابا عديدة منها ”ملاذ العارفين وتاج المرشدين وأبو المعارف وأبو الإسعاد” .
نشأته وتربيته
نشأ العالم الجليل الشيخ الشرقاوي في قرية كانت تسمي “دير سوادة”، والذي أصبح اسمه حاليا ”دير شرقاوي” من قرى فرشوط بمحافظة قنا جنوب صعيد مصر، في بيئة علمية تقية صالحة إمامها وشيخها والده مربي السالكين وقدوة العارفين أبو المعارف الشيخ “أحمد بن شرقاوي” رضي الله عنه الداعي إلى الله والمجاهد في الله بما أفاد من علم وألَّف من كتب ونشر من دعوة وهذَّب من طباع ورفَّق من قلوب وأدَّب من نفوس وأحيا من سنن.
تعليمه
تلقى الشيخ أبو الوفاء الشرقاوي العلوم العربية والشرعية على أيدي كبار علماء عصره ممن كانوا يفدون على ساحة والده شيخ الطريقة الخلوتية الصوفية، وعنه ورث أمر الطريقة كما ورث عنه المال والثراء، فقد كان الشيخ عاملاً مؤثراً في حركة التقريب بين المذاهب وطبعت له مطولات في كتيبات جُمعت في كتاب بعنوان أبو الوفا الشرقاوي” حياته وآثاره”.
كتبه
وللشيخ أبو الوفا الشرقاوي رسائل مع كبراء السياسيين في عصره ومقالات أدبية واجتماعية ودينية نشرتها الصحف المصرية، وله كتاب في آداب الطرق الصوفية بعنوان “مصباح الأرواح في سلوك طريق الفَتّاح“، وآخر ”لمعة الأسرار في مدح الحبيب المختار”.
شعره
شعر الشيخ الشرقاوي في جملته شعر صوفي تبدأ قصائده بالغزل الصوفي أو الحكمة، وقد يدخل مباشرة في موضوع القصيدة الذي هو ابتهال وتوسل ومديح للرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك أشعار وطنية وسياسية، وفي هذه القصائد تتعدد الأغراض في بنية القصيدة الواحدة وبخاصة حين يعمد إلى الإطالة ومن قصائده “القصيدة الوفائية في وصف النعل الشريفة”.
علاقته بالزعيم “سعد زغلول”
كان للشيخ الشرقاوي علاقات وطيدة بالزعيم سعد زغلول، وقادة الوفد إبان ثورة 1919 فإن علاقته ظلت طيبة مع مختلف رجالات الأحزاب السياسية، وعن ذلك يقول الشيخ إبراهيم الشرقاوي أحد أحفاد العارف بالله الشيخ أبو الوفا الشرقاوي بمركز نجع حمادي بأن هناك وثائق نادرة عمرها 95 سنة تعود إلى سنة 1920م تدل على مدى العلاقة الوطيدة التي كانت بين العالم الجليل والزعيم الراحل سعد زغلول وسياسيين وزعماء مصريين في القرن الماضي.
برقية من سعد زغلول
ومن بين تلك الوثائق برقية أرسلت من الزعيم سعد زغلول مؤسس حزب الوفد المصري يشكر فيها نضال العارف بالله أبو الوفاء الشرقاوي ومجهوداته للمطالبة لنيل الاستقلال عن بريطانيا، وفيها كتب الزعيم سعد زغلول مخاطبًا الشيخ الشرقاوي “حضرة صاحب الفضيلة السيد أبو الوفاء الشرقاوي نجع حمادي أشكر لسيادتكم ما أبديتموه من جميل الشعور ورقي العواطف، وإن لنا وطيد الأمل في أن يتوج المولى أعمالنا بالنجاح ونيل الأمة استقلالها بفضل تضافر جميع عناصرها واتحاد أبنائها وتمسكهم بحقوق الوطن المقدسة وبفضل دعواتكم وبركاتكم المتوالية.. سعد زغلول“.
وارتبط الشيخ الشرقاوي بعلاقة وطيدة مع المناضل المصري سعد زغلول، وكان على رأس مستقبليه في الصعيد خلال زيارته بالعائمة النيلية ”نوبية” إلى عواصم مدن الصعيد لجمع التوكيلات من المصريين المطالبة بإنهاء الحماية البريطانية عن مصر.
علاقته بالأمير يوسف كمال
كشف الشيخ إبراهيم الشرقاوي أحد أحفاد العارف بالله سيدي أبو الوفا الشرقاوي أيضا أسرار العلاقة التي ربطت بين جده والأمير يوسف كمال أحد أفراد الأسرة العلوية التي حكمت مصر قائلا:”العلاقة بين الأمير وجده بدأت بلقاء مشترك جمع بين محمود باشا سليمان وكيل مجلس شورى القوانين، ووالد محمد محمود باشا الذي ترأس أربع حكومات قبل ثورة يوليو 1952، والأمير يوسف كمال، والعارف بالله الشيخ أبو الوفاء الشرقاوي”.
وأوضح ”الشرقاوي” أن محمود باشا سليمان كان صديقًا للعائلة وأحد أتباع جدهم الأكبر العالم أحمد أبو الوفا الشرقاوي وفي أحد زياراته للساحة الشرقاوية علم محمود باشا سليمان بوجود الأمير يوسف كمال في قصره في نجع حمادي لمباشرة أملاكه فعقد العزم علي زيارته، وطلب من الشيخ أبو الوفا الشرقاوي مرافقته إلى قصر الأمير، وبالفعل تم اللقاء بين الثلاثة في ضيافة الأمير، وهناك تلاقت الأفكار بين العارف بالله والأمير يوسف كمال الذي كان مثقفًا ثقافة رفيعة حتى أصبحا صديقين يتبادلان الزيارات والخطابات والبرقيات في حال غياب الأمير عن نجع حمادي.
دوره في الحركة الوطنية
استطاع الشيخ الصوفي أبو الوفا الشرقاوي أن يوقظ الهمم ويُلهب المشاعر الوطنية حين كانت البلاد مكبلة بأغلال الاستعمار فقد لعب دورًا بارزًا في الكفاح ضد الاستعمار البريطاني في صعيد مصر، حيث كان هو المرجعية لكل النفوس الوطنية الثائرة ضد الاستبداد والظلم في نفس وقت مطالبة الزعيم سعد زغلول بالاستقلال عن بريطانيا، وكان الزعيم سعد زغلول مؤسس الوفد المصري والشيخ الشرقاوي يسيران علي نفس الدرب، هذا يقود الأمة في الشمال، والآخر يقودها في الجنوب، ومعه الكثير من الوطنيين وكان لابد من اللقاء بين القطبين.
وحين زار الزعيم سعد زغلول الصعيد، حيث تلك الصورة الشهيرة الملتقطة على العائمة النيلية التي حملته ورفاقه إلى الأمصار والمدن بصعيد مصر لجمع التوكيلات من المصريين للمطالبة بالاستقلال، قال سعد قولته الشهيرة “الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة”، وقتها انشد العارف بالله “إذا جاء نصر الله والفتح يا مصر فما مثل هذا الفتح فتح ولا نصر”.
لم يخف الشيخ الشرقاوي ولم يخش بطش وجبروت المستعمر بل ناضل وجاهر بوطنيته نحو تحرير البلاد، وراح ينظم القصائد ليُلهب حماس المصريين الوطنيين للوقوف في وجه المستعمر بل وضد البدع التي كانت متفشية في عصره.
وفاته
هكذا كانت حياة العارف بالله الشيخ أبو الوفاء الشرقاوي الصوفي الوطني المناضل الذي رحل عن دنينا عام 1961م، بينما تاريخه ونضاله سيظلان نبراسا وسراجا منيرا للأجيال القادمة بل وستظل ساحته الشرقاوية الكائنة بمركز نجع حمادي شمال قنا شاهدا وملاذا آمنا وقبلة للقاصدين.