علامة في تاريخ مصر .. ابن فرشوط “هارون باشا أبوسحلي” الذي وقف أمام معاهدة 1936م
كتب: أحمد القواسمي
“هارون باشا أبو سحلي” علامة في التاريخ السياسي والنيابي في مصر، احد ابناء محافظة قنا الذين تولوا العديد من المناصب المرموقة، وذاع صيتهم، وأصبحوا من مشاهير وأعلام القاهرة بل مصر كلها، لاسيما في المجال السياسي.
ولد هارون باشا سليم أبوسحلي، عام 1304هجرية/ 1886م بمدينة فرشوط، شمالي محافظة قنا، والده سليم أفندي أبوسحلي كان ناظرا لقسم فرشوط “رئيس مجلس مدينة حاليا”، والذي يعد ثان مصري عينه الخديوي محمد سعيد لتولي نظارة فرشوط بعد حسن المناعي، حيث كانت النظارة يتولاها الأتراك آنذاك، ووالدته تدعى “يامنة أو آمنة”، كريمة الشيخ عبدالجليل دياب شيخ عرب البصيلية، وجده لوالدته علي أغا البصيلي، أعظم قواد إبراهيم باشا، وموضع ثقته، وقد اصطحبه معه في بعض حروبه، إذ كان معروفا بالشجاعة والإقدام.
تعلم “هارون باشا” في مدرسة قنا الإبتدائية، ثم في المدرسة الخديوية الثانوية بالقاهرة، وكان أول زملائه في تلك المدرسة، ثم التحق بمدرسة الحقوق، ثم حصل على ليسانس الحقوق عام 1909م بتفوق.
عُين “أبوسحلي” بالمحاماة في بداية حياته، ثم التحق بوظيفة معاون نيابة بقنا، ثم نقل إلى مدينة طهطا بسوهاج، ورقٌي إلى درجة مساعد نيابة، ونقل إلى أخميم بسوهاج، ثم وكيلا للنيابة بجرجا ثم البلينا، بعدها أصبح قاضيا بجرجا ثم البلينا ثم أبوتيج ثم سملوط ثم بني سويف، ثم عاد إلى جرجا مرة ثانية.
في 1927 اختاره عدلي يكن باشا وكيلا للأمن العام، وعين محافظا للسويس، وفي عام 1928 لما تولى محمد محمود باشا رئاسة الوزراء، وكان رئيسا لحزب الأحرار الدستوريين اختاره مديرا لمديرية جرجا بسوهاج، وبعد 7 أشهر نقل للعمل مديرا لمديرية أسيوط، وفي عام 1929م تولت وزارة النحاس باشا، والتي أصدرت مرسوما بإحالته للمعاش سياسيا، وكان عمره آنذاك 43 عاما.
وفي عام 1930 تولت وزارة إسماعيل صدقي، فأصدرت مرسوما ملكيا بتعيين “هارون باشا” مديرا للمنصورة، واستمر حتى 1933م، ثم صدر مرسوم بنقله مديرا للمنوفية، ثم أحالته وزارة الوفد إلى المعاش سياسيا مرة أخرى، وكان عمره آنذاك 49 عاما، وفي كل المديريات التي تولى الأمر فيها قام بإصلاحات كثيرة متعددة النواحي والمجالات “تعليمية، وأمنية، وصناعية، وبيئية، وصحية، واجتماعية، واقتصادية”، وفي عام 1930 منحه الملك فؤاد الأول رتبة البكوية، وبعد 8 أشهر أنعم عليه برتبة البشوية.
وفاز بمجلس النواب في ثلاث هيئات نيابية لأعوام 1924، 1926، 1936م، ففي عام 1924 انتخب عضوا بالهيئة النيابية الأولى، وكان في المجلس عضوا بلجنة فحص الطعون، ولجنة الرد على خطاب العرش، واللجنة المالية، ولجنة الحقانية، وفي عام 1926 انتخب عضوا بالهيئة النيابية الثالثة بمجلس النواب، بعد تنافس بينه وبين الشيخ محمد أحمد بريري، حيث حصل هارون باشا على 5317 صوتا، بينما حصل الشيخ بريري على 4065 صوتا، وفي عام 1936 انتخب عضوا بمجلس النواب، وكانت المنافسة أيضا بينه وبين الشيخ محمد بريري، حيث حصل أبو سحلي على 8709 أصوات، بينما حصل أبو الشيخ على 1999 صوتا.
كان في أول الأمر ينتمي لحزب الوفد، وهذا لم يمنعه من مناصرة الحق في مجلس النواب، حيث كان معارضا لحكومة الوفد داخل المجلس، فدب خلاف بينه وبين سعد زغلول، فترك على إثره حزب الوفد، وانضم إلى حزب الأحرار الدستوريين بزعامة عدلي باشا يكن، ورئاسة محمد محمود باشا، كما وقف “الباشا” ضد معاهدة 1936، ورفض شروطها وبنودها؛ لأنه كان يرى أنها لم تحقق الاستقلال الكامل لمصر.
زار هارون باشا مسقط رأسه مدينة فرشوط؛ استعدادا لزيارة الملك فاروق للصعيد لأول مرة في أوائل عام 1937، وعند زيارته لمديرية قنا وعد الملك فاروق هارون باشا بمنصب رئيس الديوان الملكي، ثم توجه بعدها الملك فاروق إلى أسوان.
وعقب انتهاء الزيارة عاد هارون باشا إلى فرشوط؛ لزيارة أسرته، وليستعد للسفر إلى القاهرة؛ استعداده للمنصب الكبير الذي وعده به الملك فاروق، ونزل عند ابنته “أنيسة”، وطلب منها كوباية ينسون، ثم شرب ماء، وما هي إلا لحظات حتى وجدته متوفيا على الكرسي، ورحل الباشا في يوم الجمعة 22 يناير 1937م عن عمر ناهز 51 عاما، بعد أن ترك بصمات في تاريخ مصر الحديث، وبعد تاريخ مشرف في الحياة السياسية في مصر.
كان “الباشا” صديقا للزعيم مصطفى كامل، حيث كان في طليعة الشباب الذين ساندوا مصطفى كامل في كفاحه ضد الإحتلال، وكان صاحباه المفضلان هما الشيخ أبوالوفا الشرقاوي، والشيخ المراغي، شيخ الجامع الأزهر.
ابنائه النائب عبدالحميد، الذي ولد عام 1911، وهو والد اللواء هارون أبوسحلي، عضو مجلس الشيوخ الحالي، وكان عضوا في مجلس الأمة في ثلاث دورات أعوام 1957، 1962، 1964، ومديرا لشركة مصر للأسمنت المسلح، واللواء مصطفى، الذي تخرج في مدرسة المهندسخانة عام 1938، وشغل منصب ضابط مهندس في الحربية، وشارك في حرب 1948 و 1956م، والدكتور عبدالعزيز، الذي ولد عام 1916، وشغل منصب مدير البحوث، وأستاذ في كلية الزراعة، ومدير عام معهد أبحاث تكنولوجيا القطن، ووكيلا لوزارة الزراعة، وكان عضوا بمجلس الأمة من 1966 حتى 1968، وأبوالوفا، الذي كان شاعرا، وعضوا بمجلس محلي المحافظة.
أما البنات فهن: “أنيسة”، التي كانت متزوجة من حاتم “مأمون” أفندي، مدير الإصلاح الزراعي، ووالدة كل من اللواء ممدوح مأمون، مدير أمن أسوان وبورسعيد، ومساعد وزير الداخلية، وعضو مجلس الشعب من 2000 حتى 2005، والمستشار مصطفى مأمون، رئيس محكمة، وحربي مأمون، مدير عام المطاحن، وعضو مجلس الشورى دورة 1989، و”ثريا” التي كانت متزوجة من الحاج نجاتي عبدالفتاح أبوسحلي، من الأعيان، و”عزيزة” التي كانت متزوجة من المستشار أنور أبوسحلي، وزير العدل الأسبق.
الشيخ عبدالقادر، وهو أكبر أخوته، ولد عام 1884، وكان عضوا بمجلس المديرية بقنا، ورئيس محكمة الخط بفرشوط، وتوفي عام 1952، والنائب يحي، الذي ولد عام 188، وكان مدرس رياضيات بمحافظة المنيا، وكان عضوا بمجلس النواب لثلاث دورات أعوام 1927، 1930، 1931، وتوفي عام 1934م، والعمدة جلال، الذي تولى عمدية قرية الدهسة بفرشوط، والدكتور عبدالغفار، وهو أصغر أخوته، ولد عام 1896، وكان وكيلا لوزارة الزراعة في عهد وزير الزراعة فؤاد سراج الدين، ورئيسا لقسم النباتات بكلية الزراعة، ومندوب مصر في أحد المؤتمرات في روما، حيث توفي أثناء إلقائه كلمة مصر في المؤتمر عام 1949.
أحفاد شغلوا العديد من المناصب المرموقة في الدولة، وهم هارون عبدالحميد، عضو مجلس الشيوخ الحالي، والذي كان لواء في الجيش، وشغل أيضا منصب رئيس المجمع الطبي العسكري بكوبري القبة، وسعيد أبوالوفا الذي شغل منصب مدير عام التأمينات بفرشوط، وعبدالسلام مصطفى، الذي شغل منصب عميد الكلية البحرية، وأحمد عبدالعزيز، الذي شغل منصب مهندس في استراليا، وعبدالناصر أبوالوفا وكان مستشارا، وممدوح مأمون وهو ابن أنيسة الابنة الكبرى لهارون باشا، الذي شغل منصب مدير أمن أسوان وبورسعيد، ومساعد وزير الداخلية، وعضو مجلس الشعب من 2000 حتى 2005، ومصطفى مأمون، وكان مستشارا، وحربي مأمون، كان مدير عام المطاحن، وعضوا بمجلس الشورى دورة 1989.